للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ -

شعراء التصوف

عرفت موريتانيا التصوف كما عرفته الأقاليم الإسلامية جميعا، وكان يشيع فيه مذهبان: مذهب فلسفى يؤمن أصحابه بالاتحاد مع الله والفناء فيه وأيضا بحلوله فيهم، ومذهب سنى يقف عند أداء الفرائض الدينية والنوافل والإخلاص العميق لله ومحبته محبة صادقة. وطبيعى أن لا يتعلق الموريتانيون بالمذهب الأول، لأنهم لا يتفلسفون بل يعيشون معيشة أقرب إلى الفطرة، فلم يعتنق المذهب الصوفى الفلسفى عندهم أحد، ونفس معتنقيه فى الأقاليم الإسلامية الأخرى كانوا دائما أفرادا ولم يصبح موجة عامة فى أى بيئة عربية، إنما الذى أصبح له ذلك المذهب الصوفى السنى، وأخذت تظهر فيه طرق منذ القرن السادس الهجرى ومن أهمها الطريقة القادرية لعبد القادر الجيلانى المتوفى سنة ٥٦١ هـ‍/١١٦٦ م وشاعت فى المغرب، ونجد شعراء موريتانيا يذكرونها ويشيدون بشيخها أحيانا. وأهم منها الطريقة الشاذلية المنسوبة إلى أبى الحسن الشاذلى المتوفى سنة ٦٥٦ هـ‍/١٢٥٨ م وقد انتشر شيوخها فى البلاد المغربية، وكانت أكثر شيوعا فى موريتانيا من الطريقة القادرية، وأوسع منهما جميعا الطريقة التيجانية المنسوبة إلى أحمد التيجانى المتوفى بفاس سنة ١٢٣٠ هـ‍/١٨١٥ م إذ يبدو أنها انتشرت فى موريتانيا انتشارا واسعا لكثرة من نجدهم من الشعراء يشيدون بها وبمؤسسها ويدافعون عنها دفاعا حارّا، من ذلك قول محمد بن عبد الله العلوى منوها بطريقته وولايته (١):

طالع جواهره واصحب رسائله ... وما يبثّ من الأنوار والحكم

تجد ولايته لاحت معالمها ... كما ترى فى الدّجى نار على علم

وهو يشيد برسائل له فى النزعة الصوفية ولعله يريد بجواهره ورده الذى يقرأ فى الصباح، وينوه بولايته التى شاعت له فى الآفاق كما تشيع أضواء نار على قمة جبل عال. ويقول عبد الله بن أحمد دام، وهو من أتباع طريقته مثل سالفه المعاصر له مدافعا عنه ضد خصوم طريقته (٢):

من كان فى مذهب التيجان ممتريا ... فإننى لكمال الشيخ معتقد

من ينظر الكتب التى أفاد بها ... ينظر كلام محقّ كله رشد

أما الذين تعاطوا ورده فلقد ... أعيا على العدّ حصرا منهم العدد


(١) الشنقيطى ص ٣٣.
(٢) الشنقيطى ص ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>