للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يذكر أن من لا يعلمون مدى حبه لها ظنوا أنه نسى ما كان بينه وبينها من عهود أو أنه منح حبه لأخرى ويقسم بمن زين السماء بنجومها وكواكبها أنه ما نكث عهدا لها ولا تغير. إنما شغله عنها أخطر مما شغلها وما يقوم دون لقائها من مفازات مهلكة، يهاب الجليد الجريء الصابر السّرى والسير فيها ليلا، وقد تحمل هولها متخطّيا من مفازة إلى أخرى حتى دخل ديارها وحماها، يقول:

وتميّزتها فدلّ عليها ... فى الدّجى طيب نشرها وبراها (١)

فعلتنى مهابة ووجوم ... من لقاها وما علانى علاها

وأشارت بأنّ فى البيت ناسا ... ينشرون الحديث عمّن أتاها

قلت لأيا وصلت قالت تنحّ ... قبل دهياء معضل ألقاها (٢)

وصفا بيننا الحديث وقالت ... لا تعد مثلها وألقت عصاها (٣)

ثم بتنا بقيّة الليل نلهو ... بأحاديث لا يملّ جناها (٤)

وهو يقول إنه بحث عن سليمى ودلّه فى الليل طيب عطرها وأصوات أساورها وخلاخيلها، ويذكر أنهما حينما تلاقيا علتهما مهابة ووجوم وأشارت إليه أن فى البيت ناسا يذيعون الخبر عمن أتاها وتخشاهم، فقال لها لقد تحملت مشاقّ حتى وصلت إليك فقالت له: الزم ناحية لا تظهرك قبل أن ألقى داهية لا أستطيع النجاة منها، ونازعها الحديث وصفا بينهما وقالت له لا تكرر مثلها، وباتا بقية الليل ينعمان بأحاديث شتّى. والقصيدة سلسة مثل هذا الحوار بينه. وبين سليمى. ويقول فى قصيدته الثانية:

مغان سقانى الدهر فيها على الظّما ... كئوس المنى من كلّ أحور أهيفا (٥)

لعمرى لئن أمست عفاء لفى الحشا ... لها منزل لم يعف قطّ وما عفا

وناهدة تجلو أغرّ كأنما ... بترياقها صبّ المهيمن قرقفا (٦)

على وجنتيها قد جرى متحيّرا ... ولبّتها ماء الملاحة والصّفا (٧)

يقول إنها مغان أو منازل طالما سقاه الدهر فيها-وهو ظامئ-كئوس المنى من كل بيضاء ضامرة الخصر فاتنة، ويقسم إنها إن كانت قد عفت وأصبحت أطلالا فإن منزل صاحبته ودارها فى حشاه لا يعفو أبدا. ويصف صاحبته بأنها شابة تفترّ عن ثغر مشرق وكأنما امتزج رضاب ريقها بخمر مسكرة، ويقول إن رونق الملاحة والصفا يجرى مترقرقا على وجنتيها ولبّتها الجميلة.


(١) نشرها: عطرها. البرى: الخلاخيل والأساور.
(٢) دهياء: داهية. معضل: شديدة.
(٣) ألقت عصاها: اطمأنت واستسلمت.
(٤) الجنى: الثمر الحلو.
(٥) أهيف: ضامر. ذكر الصفة لضرورة الشعر.
(٦) ناهدة: شابة. أغر: أبيض يريد ثغرا أبيض. قرقف: خمر.
(٧) لبتها: موضع القلادة من الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>