للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن (١) السماط المهدوى

هو أبو يعقوب يوسف بن على بن عبد الملك بن السماط البكرى، ولد بالمهدية سنة ٦١٣ وبها منشؤه ومرباه، من بيت علم وفضل وثراء، وتفتحت شاعريته مبكرة، وكان من نعم الله عليه أن قصر شعره على مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلا يوجد له فى غير هذا المديح شعر إلا التافه النّزر مما قاله فى صباه، ويقول صاحب الحلل السندسية: «هو عالى الطبقة فى الشعر جدا، وشعره مدوّن مشهور». وظل يحيا فى المهدية يمدح الحضرة النبوية حتى وافاه الأجل سنة ٦٩٠ هـ‍/١٢٩١ م واحتفظ له صاحب الحلل السندسية بخمس قصائد نبوية باهرة، وفى ثانيتها يقول متشوقا إلى يثرب وزيارتها الشريفة:

رعى الحقوق-كما علمت-حقيق ... والصبر عن وادى العقيق عقوق (٢)

ولأهل ذيّاك الحمى بقلوبنا ... شغف يسوق نفوسنا ويشوق

ولذكرهم برد على طىّ الحشا ... تشفى به مرضاهم وتفيق

قوم بهم طاب النسيم بطيبة ... حتى انثنى كالمسك وهو فتيق (٣)

وغدا ثراها للشّفاه مراشفا ... وبقاعها كلّ البقاع تفوق

ومزارها أشهى إلى عشّاقها ... من شاطئ يأوى إليه غريق

وهو يقول إن للزيارة النبوية حقوقا ينبغى أن تؤدى، وإن الصبر عن زيارة وادى العقيق بالمدينة المنورة ليعد عقوقا، وإن لأهل هذا الحمى بقلوبنا شغفا وشوقا شديدا ولذكرهم بردا على الأحشاء حتى لكأنه دواء يشفى المرضى من عللها الدفينة، قوم بهم ذكا النسيم وطاب بطيبة أو يثرب، حتى أصبح كالمسك حين يسطع شذاه، وإن ثراها ليود الناس حبا فى الرسول أن يرشفوه بشفاههم رشفا، وإن عشاقها فى المعمورة ليتمنون زيارتها يطلبون بها النجاة كما يتمنى الغريق شاطئا يأوى إليه من الهلاك. ويقول فى القصيدة الرابعة:

أعد الحديث فليس بالمملول ... عن خير مبعوث وخير رسول

واملأ مسامعنا بطيب حديثه ... فهو الشفاء لحرّ كل غليل (٤)

وادأب عليه مصلّيا ومسلّما ... فكذا أتى فى محكم التّنزيل


(١) انظر فى ابن السماط المهدوى الحلل السندسية ٢/ ٥٠٨ وما بعدها وشجرة النور الزكية ١/ ١٩٢ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٠٨.
(٢) وادى العقيق: واد بالمدينة.
(٣) طيبة: المدينة. فتيق: ساطع الرائحة.
(٤) غليل: شدة العطش وحرارته.

<<  <  ج: ص:  >  >>