أناملها البادى من الستر لتعذيب قلبه من دمه، كأنه قتيل هواها وقد سفكت دمه وعلق منها بالأنامل، ويقول:
اجل المدامة فهى خير عروس ... تجلو كروب النّفس بالتّنفيس
واستغنم اللذات فى عهد الصّبا ... وأوانه لا عطر بعد عروس
وهو يتصور المدامة عروسا تهفو لها نفسه، ويزعم أنها تذهب كروب النفس وهمومها، ويدعو إلى اغتنامها فى عهد الصبا، فهو عهدها، وبعده لا يأبه الإنسان بها، ويتمثل بقول العرب:«لا عطر بعد عروس» فالعطر إنما تحتاجه العروس وقت زفافها. وأكبر الظن أن عبادة انصرف عن الخمر بعد شبابه أو لعله كان ينظم هذه الأبيات وما يماثلها تقليدا ومحاكاة للمجان وإلا ما استطاع أن يدّخر المثاقيل الذهبية المائة التى ضاعت منه بمالقة.
عبد (١) الرحمن بن مقانا
هو أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا، من قرية القبذاق من قرى أشبونة (ليشبونة الحالية بالبرتغال) ولسنا نعرف شيئا عن نشأته وهل ثقف الآداب العربية فى أشبونة وحدها أو أنه اختلف إلى الأدباء والعلماء فى مدن سواها. ونلتقى به فى أوائل عصر أمراء الطوائف مترددا على سرقسطة لمديح أميرها منذر بن يحيى التّجيبى المتوفى سنة ٤٣٠ وعلى دانية لمديح أميرها مجاهد المتوفى سنة ٤٣٦ ويذكر ابن بسام أنه «جال أقطار الأندلس على رؤساء الجزيرة». وأهم من مدحهم من هؤلاء الرؤساء أو الأمراء وأسبغوا عليه نوالهم إدريس بن يحيى بن على بن حمود الحسنى أمير مالقة الذى خلف أباه عليها سنة ٤٢٧ وظل بها حتى سنة ٤٤٧. ورأى ابن مقانا حين أصبح شيخا أن يكفّ عن تطوافه بأمراء الجزيرة وأن يعود إلى قريته وأن يمضى فيها بقية حياته معنيّا بضيعة له فيها وما تحتاج إليه من حرث وزرع وغرس. ولا يعرف بالضبط تاريخ وفاته.
ويعرّف ابن بسام بابن مقانا قائلا:«من شعراء غربنا المشاهير، وله شعر يعرب عن أدب غزير، تصرّف فيه تصرّف المطبوعين المجيدين فى عنفوان شبابه وابتداء حاله، ثم تراجع طبعه عند اكتهاله» وكأن ابن بسام يجعل وفوده على أمراء الطوائف فى أيام
(١) انظر فى ابن مقانا وترجمته وشعره الذخيرة ٢/ ٧٨٦ وما بعدها والحميدى ٢٦٠ والبغية رقم ١٠٤٤ والمغرب ١/ ٤١٣.