للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشباب وحدها، ويبدو أن هذا الوفود امتد به حتى بدء كهولته بل ربما حتى بدء شيخوخته إذ ينقل ابن بسام عن بعض مواطنيه أنه إنما انصرف إلى قريته شيخا لا كهلا.

وأمّ قصائده التى طارت شهرتها فى الآفاق مدحته النونية لإدريس بن يحيى الحمودى، وهو يستهلها بغزل طريف ولا يلبث أن يمزجه بنعته للخمر قائلا:

قد بدا لى وضح الصّبح المبين ... فاسقنيها قبل تكبير الأذين (١)

مزّة صافية مشمولة ... عتّقت فى دنّها بضع سنين (٢)

مع فتيان كرام نجب ... يتهادون رياحين المجون

وعليهم زاجر من حلمهم ... ولديهم قاصرات الطّرف عين (٣)

ويسقّون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأس من معين (٤)

وابن مقانا يتراءى له ضوء الصبح فى السحر، فيهتف بالساقى أن يملأ كأسه قبل تكبير الأذان، ويقول إنها مزة الطعم صافية باردة معتّقة، كما يقول إنه يشربها مع فتيان كرام نجب يتهادون أزهار المجون الأرجة وعليهم زاجر من عفاف مع ما معهم من حسان غاضات البصر فاتنات العيون، ويقول إنهم يسقون الخمر بأباريق وكأس من عين جارية. وينتقل من وصف خمر الصّبوح أو الصباح إلى نعت الطبيعة من حوله سماء ونجوما ورياضا وأزهارا ويبدع خياله بمثل قوله:

ومصابيح الدّجى قد أطفئت ... فى بقايا من سواد الليل جون (٥)

والثريّا قد علت فى أفقها ... كقضيب زاهر من ياسمين

وانبرى جنح الدّجى عن صبحه ... كغراب طار عن بيض كنين (٦)

وجناح الجوّ قد بلّله ... ماء ورد الصّبح للمصطبحين

والنّدى يقطر من نرجسه ... كدموع أسبلتهنّ الجفون (٧)

وهو يقول إن مصابيح الدجى من الكواكب والنجوم أخذت تنطفئ واحدة إثر أخرى فى بقايا من سواد الليل، وتعالت الثريا فى السماء كأنها غصن مزهر من ياسمين، وأوشك


(١) الأذين: نداء الأذان للصلاة.
(٢) مزة الطعم: بين الحلو والحامض. مشمولة: باردة.
(٣) قاصرات الطرف: يغضضن من أبصارهن. عين جمع عيناء: واسعة العين جميلتها.
(٤) معين: عين جارية.
(٥) جون: سوداء.
(٦) جنح: ظلام. كنين: مستتر.
(٧) أسبلتهن: أرسلتهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>