للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه لا يسأل ولا يمدح سوى ربه، ولا يفكر إلا فى عقيدته، فهو مثال دقيق للخارجى الذى تعمقته مقالته حتى الشغاف.

الطّرمّاح (١)

شاعر طائى نشأ فى الشام، وانتقل إلى الكوفة مع من صار إليها من جيوش الشام. فنزل فى بنى تيم اللات بن ثعلبة، وكان فيهم شيخ من الخوارج له سمت وفيه وقار، فكان الطرماح يجالسه ويسمع منه، فرسخ كلامه فى قلبه، ودعاه الشيخ إلى مذهبه، فقبله واعتقده أشد اعتقاد وأصحّه حتى مات عليه.

واختلف الرواة فى الفرقة التى دخل فيها، فقال أبو الفرج إنه دخل فى فرقة الأزارقة، وقال الجاحظ: هو من الصّفرية، وقول الجاحظ هو الصحيح، لأنه كان من القعدة ولو كان من الأزارقة ما استحل القعود، إذ كانوا يحرّمونه ولا يجيزونه. ولم يمض قعوده فى مقاومة المسلمين والدعوة إلى الخروج ضدهم على نحو ما صنع عمران بن حطان. فهو صفرىّ مسالم. ويظهر أنه كان يمضى فى السلم إلى أبعد حد، فلم يكن يكفّر المسلمين كمتطرفة الخوارج، بل كان يعاشرهم ويوادّهم ويصادقهم، حتى لنراه يعقد صداقة شديدة بينه وبين الكميت، يقول الجاحظ: «لم ير الناس أعجب حالا من الكميت والطّرمّاح، كان الكميت عدنانيّا عصبيّا، وكان الطرماح خارجيّا من الصّفرية، وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة، وكان الطرماح يتعصب لأهل الشام، وبينهما مع ذلك من الخاصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط، ثم لم يجر بينهما صرم ولا جفوة ولا إعراض ولا شئ مما تدعو هذه الخصال إليه». وأكبر الظن أن الذى وثّق بينهما هذه الصلة احترافهما مهنة واحدة، هى تعليم الناشئة، فقد كانا معلمين، يعلمان أولاد العامة، وكانا خطيبين كما كانا شاعرين.

ويروى عن الطرماح أنه ترك الكوفة حينا إلى الرّى بفارس حيث عنى بتأديب الناشئة


(١) انظر فى ترجمة الطرماح أغانى (دار الكتب) ١٢/ ٣٥ والشعر والشعراء ٢/ ٥٦٦ والعينى ٢/ ٢٧٦ والاشتقاق ص ٣٩٢ والموشح للمرزبانى ص ٢٠٨ والبيان والتبيين ١/ ٤٦، ٢/ ٣٢٣ وتاريخ دمشق لابن عساكر ٧/ ٥٢ والخزانة ٣/ ٤١٨ وله ديوان نشره كرنكو فى لندن سنة ١٩٢٧. والطرماح: الطويل القامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>