للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يحتمل فيها من أذى ومكروه وبين الرغبة فى الموت، وعبر عن ذلك فى صور مختلفة، كأن يصوّر تهالك الناس على الدنيا، وهى ليست بدار قرار، على شاكلة قوله:

أرانا لا نملّ العيش فيها ... وأولعنا بحرص وانتظار

ولا تبقى، ولا نبقى عليها ... ولا فى الأمر نأخذ بالخيار

كركب نازلين على طريق ... حثيث رائح منهم وسارى (١)

ويقف كثيرا عند هذا المعنى، فالناس يتعلقون بالدنيا حتى جياعهم وعراتهم فأفّ لهم من أشقياء لم يتبينوا الطريق السوىّ. ولا يخفى أنه يسير على كره منه فى نفس الركب، وأن قلبه هو الآخر ينطوى منها على شئ من الحب والحرص، وحرى به أن يرفضها رفضا، يقول:

أرى أشقياء النّاس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراة وجوّع

أراها وإن كانت تحبّ فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشّع (٢)

وعلى هذا النحو كان لا يزال يردد أن الموت سيأتى على كل الأحياء وأن لا مفر منه لكائن، فالكل فان حتى الموت نفسه، يقول:

لا يعجز الموت شئ دون خالقه ... والموت فان إذا ما ناله الأجل

وكلّ كرب أمام الموت متّضع ... للموت، والموت فيما بعده جلل (٣)

فالموت سيموت فى النهاية. وهو بذلك كله يعبر عن فكرة الموت التى تلقانا دائما فى شعر الخوارج، إنه موت ينقل إلى دار الخلود، ولذلك ينتظره هائنا به مغتبطا. وهذا هو شعر عمران دائما فليس فيه سوى عقيدته. وكان لا يزدرى شيئا ازدراءه المديح، وقد سمع الفرزدق مرة ينشد بعض مدائحه، فتعرض له يقول:

أيها المادح العباد ليعطى ... إن لله ما بأيدى العباد


(١) حثيث: سريع. وسارى: يسير ليلا.
(٢) تقشع: تزول.
(٣) جلل: عظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>