للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغضب الحجاج واشتد فى طلبه بعد قضائه على شبيب وصاحبته سنة ٧٧ للهجرة ففرّ منه على وجهه يتنقّل فى القبائل منتسبا فى كل حى نسبا يقرب منه، وما زال يتنقل شاعرا بمرارة الحياة وما يحتمل فى سبيل عقيدته من خطوب حتى انتهى إلى روح بن زنباع الجذامى بالشام. فانتسب له أزديا فأنزله منزلا آمنا نحو عام وبالغ فى إكرامه، وكان روح سميرا لعبد الملك أثيرا عنده، فذكر له صاحبه وحسن حديثه وروى له بعض أشعاره، فرأى عبد الملك فيها ما شككه فى أن صاحبه هو عمران، وذكر ذلك لروح وطلب منه أن يجيئه به، ونقل روح إليه رغبة عبد الملك، فقال له: ذلك ما كنت أريد، وإنى تابعك إليه على الأثر، ولم يلبث أن ارتحل مخلفا لروح رقعة يقول فيها:

قد كنت جارك حولا ما تروّعنى ... فيه روائع من إنس ومن جان (١)

حتى أردت بى العظمى فأدركنى ... ما أدرك الناس من خوف ابن مروان

ومضى حتى نزل بزفر بن الحارث فى قرقيسيا، فانتسب له أوزاعيّا، وتصادف أن رآه رجل عنده كان قد رآه من قبل عند روح، فلما قال له زفر هل تعرفه؟ قال: نعم أزدى رأيته عند روح، حينئذ قال له زفر يا هذا أزديّا مرة وأوزاعيّا أخرى؟ إن كنت خائفا آمناك وإن كنت فقيرا جبرناك، فلما أمسى هرب وخلّف فى منزله رقعة كتب فيها مقطوعة بديعة يستهلها بقوله:

إن التى أصبحت يعيى بها زفر ... أعيت عياء على روح بن زنباع

وارتحل حتى أتى عمان، وهناك أخذ يثير الناس للخروج والثورة على الحجاج، فطلبه، فارتحل حتى أتى قوما من الأزد فى روزميسان بالقرب من الكوفة، فأقام بينهم حتى توفى سنة ٨٤.

ولعمران أشعار كثيرة ترويها كتب الأدب والتاريخ، وهو فيها جميعا يصدر عن إيمان عميق بمقالة الخوارج، إيمان جعله يزدرى الحياة ويزهد فيها لولا جمرة، ومن ثم نشأ فى نفسه صراع عنيف بين الرغبة فى الحياة الكريهة التى يحياها


(١) روائع هنا: من الروع وهو الخوف والفزع.

<<  <  ج: ص:  >  >>