وعلى هذه الشاكلة كان الإسلام يؤثر فى نفسية الشعراء، وانعكس هذا التأثير على الموضوعات المختلفة التى نظموا فيها حتى وصف الصحراء، فإننا إذا قرأنا هذا الوصف عند ذى الرمة أحسسنا أن قلبه يمتلئ بالرحمة والشفقة والعطف البالغ على الحيوانات.
وليس هذا كله جميع ما أثّر به الإسلام فى الشعر الأموى، فإنه فجّر ينبوعا، كان قد أخذ يسيل منذ ظهور الإسلام على ألسنة بعض الشعراء، ولكن سيله لم يبلغ ما بلغه فى هذا العصر، ونقصد ينبوع الزهد وما يطوى فيه من الدعوة للعمل الصالح. وسنرى فى غير هذا الموضع كثرة الشعراء الذين تدفق على لسانهم هذا الينبوع الغزير، بحيث أصبح موضوعا قائما بنفسه، وبحيث أخذ فريق من الشعراء الذين لم يعرفوا بزهد يستظهرون صورا إسلامية كثيرة فى شعرهم، بل حتى نجد الفرزدق المستهتر ينظم قصيدة فى إبليس الرجيم (١). ولم يصطبغ الشعر وحده بالمثالية الدينية وما يرتبط بها من معان، فقد جاراه الرجز فى هذا الاصطباغ حتى لنجد رجازا كثيرين يبدءون أراجيزهم بحمد الله، وقد يمضون فيتحدثون عن خلق السموات والأرض، وكثيرا ما يضيفون أدعية وابتهالات لربهم.
والحق أن الإسلام أثّر أثرا واسعا فى نفوس الشعراء، وهو أثر ما زال يتعمق نفرا منهم حتى انقلبوا وعاظا يعظون الناس ويذكّرونهم باليوم الآخر وما ينتظرهم من الثواب والعقاب، وهم فى أثناء ذلك يتحدثون عن الموت وما تخرّم من قرون بعد قرون، كما يتحدثون عن الدنيا ومتاعها الزائل مصوّرين طريق النجاة وأنه يقوم على التقوى والعمل الصالح ومجانبة كل خلق ردئ من مثل الكبر والبخل والخيانة، والتحلى بكل خلق كريم من مثل التواضع والجود والأمانة.
[٣ - السياسة]
قام الإسلام على تقرير السيادة الإلهية وسيطرتها على أمور المسلمين الدينية والدنيوية سيطرة تنهض على مبادئ الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهى عن