المنكر. وبذلك فرض الإسلام على كل مسلم أن يشترك فى الحياة العامة للجماعة ونشاطها السياسى، وهو نشاط ينبغى أن يقوم على مبادئ الدين ومقاصده السامية.
وقد رأينا-فى غير هذا الموضع-كيف أن الحوادث تطورت بعد مقتل عثمان، فولى علىّ، ونشبت بينه وبين السيدة عائشة وطلحة والزبير موقعة الجمل، ثم نشبت معركة صفّين بينه وبين معاوية. وكان التحكيم، فخرج جمع كبير من جيشه ثائرين ضده، ولم يلبث أن قتل، فتحولت الخلافة إلى معاوية وبيته الأموى وأصبحت وراثية فى هذا البيت. وكان الأمويون فى نظر كثيرين لا يمثّلون الحكام الجديرين بالدولة الإسلامية، لأنهم عادوا الإسلام فى أول ظهوره، وبذلك كانوا يعدّون مغتصبين للخلافة. وزاد فى الحنق عليهم أن سيرة يزيد بن معاوية وابن أخته يزيد بن عبد الملك وابنه الوليد لم تكن سيرة مرضية. وأيضا فإن عمّالهم ظلموا الناس. ومن أجل ذلك سخط عليهم جمهور من القرّاء أهل التقوى والورع، غير أن هذا الجمهور لم يكوّن حزبا لمعارضتهم معارضة إيجابية، فقد اكتفى بإشاعة السخط فى الناس، واشترك منه نفر فى بعض الثورات عليهم، لكنه على كل حال لم يقم بثورة منظمة. على أنه ينبغى أن نشير إلى ثورة المرجئة فى خراسان بقيادة الحارث بن سريج، وسنعرض لها فى حديثنا عن الثقافة وأصحاب المقالات الكلامية.
والحجاز والعراق هما أهم المراكز التى نشأت فيها المعارضة لبنى أمية، وقد بدأت معارضة الحجاز لهم منذ حاول معاوية إسناد ولاية العهد لابنه يزيد وأخذه البيعة على ذلك من أهل الأمصار، فإن فريقا من أبناء كبار الصحابة مثل الحسين بن على وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر أبوا أن يبايعوا ليزيد. فلما ولى الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة أن يشدّد على هؤلاء الثلاثة فى أخذ البيعة تشديدا ليس فيه رخصة، فبايع عبد الله بن عمر، وفرّ الحسين وعبد الله بن الزبير إلى مكة. ولم يلبث أهل الكوفة أن استدعوا الحسين لبيعته، فخرج وقتل بكربلاء على حدود العراق. أما ابن الزبير فعاذ بالبلد الحرام الذى لا يحلّ فيه القتل وسفك الدم، ولما يئس يزيد من بيعته له أرسل إلى عامل المدينة أن يأخذها منه كرها، فبعث