للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موطنه صيانة لنفسه ولقومه من الأذى، ويفتخر بأنه ما من أحد من قومه إلا نال عزا ورفعة ويتحدّى من يعاديهم، إذ يطئون أرضه بحوافر خيلهم ويقضون عليه قضاء مبرما. والقصيدة على لسان هذا البدوى عنان بن جابر السلمى تعدّ أحد البراهين القوية-كما مرّ بنا-على خطأ ابن خلدون فيما زعمه من أن أعراب بنى سليم وهلال زايلت ألسنتهم الفصحى فى أرجاء الإقليم التونسى منذ القرن السابع الهجرى بل ربما قبله بفترة غير قليلة.

[٢ - شعراء الطبيعة]

من قديم يتغنى الشاعر العربى بالطبيعة، ومعروف أن الشاعر الجاهلى لم يترك فى بيئته الصحراوية زهرة ولا شجرة ولا سحابا ولا نجما ولا طائرا ولا حيوانا أليفا ولا وحشيا إلا تغنّى به واصفا لجماله أو لسرعته أو لقوته، وتبعه الشعراء فى العصور التالية يصفون الرياض والأنهار وما أودع على ضفافها من جمال، كما يصفون الحيوانات والطير من كل نوع، ويصف إبراهيم الحصرى صاحب زهر الآداب الياسمين قبيل تفتحه قائلا (١):

لقد راع رأس الياسمين منوّرا ... كأقراط درّ قمّعت بعقيق (٢)

يميل على ضعف الغصون كأنما ... له حالتا ذى غشية ومفيق

إذا الريح أدنته إلى الأرض خلته ... نسيم جنوب ضمّخت بخلوق (٣)

فالياسمين وهو يوشك على التفتح وقد انبثقت فى أعلاه زهرة حمراء يروعك منظره، وكأنه أقراط ذهبية خضبت بعقيق أو ياقوت، ومنه ما يميل منحنيا لضعف غصونه، ومنه ما يظل ثابتا فى وقوفه، وكأنما له حالتا مغشىّ عليه ومفيق، وإذا مر به النسيم ظننته تعطر بخلوق أو طيب ذكى الرائحة. ويقول إبراهيم بن غانم الكاتب القيروانى واصفا النيل (٤) وكان قد أقام بمصر فترة وعاد إلى القيروان وتوفى بها سنة ٤٢١ هـ‍/١٠٣٠ م.

النيل بين الجانبين كأنما ... صبّت بصفحته صفيحة صيقل

يأتيك من كدر الزّواخر مدّه ... بممسّك من مائه ومصندل (٥)


(١) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١١٩.
(٢) العقيق: حجر كريم أحمر.
(٣) ضمح: لطّخ. خلوق: ضرب من الطيب.
(٤) الأنموذج ص ٥٠.
(٥) ممسك: مطيب بطيب المسك. مصندل: مطيب بطيب الصندل.

<<  <  ج: ص:  >  >>