للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنّ ضوء البدر فى تمويجه ... برق تموّج فى سحاب مسبل

وكأن نور السّرج فى جنباته ... زهر الكواكب تحت ليل أليل (١)

وهو يصور النيل بين شاطئيه كأنه سيف حدّاد بالغ فى جلائه لشدة لمعانه، ويقول إن فيضانه يأتيك بلون كدر كأنه اختلط بمسك أو بشجر الصندل الأحمر، يشير بذلك إلى ما كان يختلط به فى فيضانه من الطمى المائل إلى الحمرة، وكأن ضوء البدر على صفحة أمواجه برق يموج فى سحاب يهطل مدرارا، وكأن نور المصابيح فى جنباته كواكب مشرقة لامعة فى ليل شديد الظلام.

ويقول عبد العزيز بن خلوف المتوفى حوالى سنة ٤٣٠ هـ‍/١٠٣٩ م فى وصف سحابة (٢):

مرتجّة الأرجاء يحبس سيرها ... ثقل فتعطيه الرياح سراحا

أخفى مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها-كى تهتدى-مصباحا

وكأنّ صوت الرّعد خلف سحابها ... حاد إذا ونت الركائب صاحا

وهو يقول إنها سحابة مثقلة بمطر غزير، وكأن ثقل ما تحمله يحبس سيرها، وتطلقه الرياح، فتسير وئيدة فى ليلة داجية وكأن الظلام أخفى مسالكها، فأوقدت من برقها مصباحا كى تهتدى به فى سيرها، ويتصور كأن صوت الرعد فيها حاد خلفها إذا توانت الركائب وتباطأت صاح بها كى تمضى فى سيرها مسرعة. وكان يعاصر هذا الشاعر ابن أبى حديدة وكان يعنى بوصفه للسحب والنجوم، وسنخصه بكلمة. ومعروف أن البحر المتوسط يمتد طويلا على شواطئ الإقليم التونسى شرقيه وشماليه من قابس إلى بنزرت، فكان طبيعيا أن يتعرض الشعراء فى ثغوره المختلفة لوصفه، من مثل الشاعر أبى الحسين الكاتب، وكان حسن البصر بصناعة الشعر- كما يقول ابن رشيق-سالكا لجميع شعابها، داخلا من جميع أبوابها متقنا لها فى لطافة وحلاوة، وقد توفى سنة ٤٠٨ هـ‍/١٠١٨ م وفى البحر يقول (٣):

انظر إلى البحر وأمواجه ... فقد علاها زبد متّسق

تخالها العين إذا أقبلت ... خيلا بدت فى حلبة تستبق

حمرا ودهما فإذا ما دنت ... من شاطئ البحر علاها بلق

ظهورها درّ وأكفالها ... ألبسها الجرى صبيب العرق

وهو يصور أمواج البحر حين تعانق رمال الشاطئ وما يعلوها من زبد، ويخالها خيلا تستبق


(١) ليل أليل: ليل شديد الظلام.
(٢) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٣٣.
(٣) الأنموذج ص ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>