ولكن هاتين القصتين شئ ونظم العرب للشعر حينذاك وروايته شئ آخر. فقد كانت حريتهم مكفولة فى هذه الرواية وذلك النظم ما لم يتعرضوا للأعراض، ومن الظلم للإسلام أن يقال إنه كفّ العرب عن الشعر ووقف نشاطه، فقد كان ينشد على كل لسان، وساعدت الأحداث على ازدهاره لا على خموله سواء فى معركة الإسلام مع الوثنيين والمرتدين أو فى الفتوح أو فى معركة على مع خصومه فى العراق. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الإسلام أذكى جذوته وأشعلها إشعالا، فإن أحداثه حلّت من عقد الألسنة وأنطقت بالشعر كثيرين لم يكونوا ينطقونه، فإذا بنا نجد مكة التى لم تعرف فى الجاهلية بشعر كثير يكثر شعراؤها، وإذا بنا إزاء عشرات من الشعراء فى الفتوح لم يشتهروا بالشعر ونظمه قبلها. وهم يسمون جميعا مخضرمين من الخضرمة وهى الاختلاط لأنهم خلطوا فى حياتهم بين الجاهلية والإسلام فعاشوا فى العصرين معا.
[٢ - الشعر فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم]
مما لا ريب فيه أن شعراء القبائل ظلوا ينظمون شعرهم بالصورة الجاهلية إلى أن دخلوا فى الإسلام، وكان الموت قد سبق إلى كثيرين منهم، فماتوا قبل إسلامهم وحرى بهؤلاء أن يدخلوا فى غمار الجاهليين، فهم ليسوا مخضرمين بالمعنى الصحيح للخضرمة، ومن ثمّ كنا نخرج دريد بن الصّمّة والأعشى وأمية ابن أبى الصلت والأسود بن يعفر النّهشلى وأضرابهم من سلك المخضرمين وننظمهم فى سلك الجاهليين، لأن الموت أدركهم قبل أن يتمّ الله عليهم نعمة الإسلام.
ومعروف أن قريشا حادّت الله ورسوله حين بعث مما اضطره الى الهجرة من مكة إلى المدينة، وسرعان ما نشبت بين البلدتين معركة حامية الوطيس، تقف فيها قريش ومن يعينها من العرب فى جانب، ويقف الرسول صلوات الله عليه ومن هاجروا معه من مكة ومن التفّوا حوله فى المدينة فى جانب آخر. وبمجرد أن