للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتبكت السيوف أخذ الشعراء فى الجانبين المتناقضين يسلّون ألسنتهم، ولم تكن مكة فى الجاهلية-كما قدمنا-تعرف بشعر إلا بعض مقطوعات تنسب لورقة ابن نوفل وغيره من المتحنّفين، ومقطوعات أخرى تنسب لبعض فتيانها مثل نبيه ومسافر اللذين ترجم لهما أبو الفرج فى أغانيه. فلما نشبت الحرب بينها وبين الرسول لمعت فيها أسماء شعراء كثيرين مثل أبى سفيان بن الحارث وعبد الله بن الزّبعرى وضرار بن الخطاب الفهرى وأبى عزّة الجمحى وهبيرة بن أبى وهب المخزومى، وقد أخذوا يسدّدون سهام أشعارهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين وأنصاره من المدينة. وعزّ ذلك عليه لا لأنهم كانوا يهجونه فحسب، بل أيضا لأنهم كانوا يصدّون عن سبيل الله بما يذيع من شعرهم فى القبائل العربية، فقال للأنصار: «ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ فقال حسّان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال: والله ما يسرّنى به مقول بين بصرى وصنعاء» (١) وانضم إليه كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، فاحتدم الهجاء بينهم وبين شعراء مكة. واقرأ فى سيرة ابن هشام فستجده ينقل عن ابن إسحق عقب كل موقعة حربية ما قيل فيها من شعر، تجد ذلك عقب غزوة بدر فى السنة الثانية للهجرة وعقب غزوة أحد فى السنة الثالثة وغزوة الخندق فى السنة الخامسة كما تجد أطرافا من ذلك فى فتح مكة للسنة الثامنة.

على أنه ينبغى أن نشك فى كثير من هذه الأشعار لأن ابن إسحق-كما يقول ابن سلام-كان يحمل كل غثاء من الشعر حتى أفسده وهجّنه (٢)، ونرى ابن سلام يقول فى ترجمته لأبى سفيان بن الحارث: «لسنا نعدّ ما يروى ابن إسحق له ولا لغيره شعرا، ولأن لا يكون لهم شعر أحسن من أن يكون ذاك لهم» (٣). على أن ابن سلام نفسه يثبت لأبى سفيان بن الحارث قصيدة كافية ناقض بها فى يوم أحد كافية كان قد نظمها حسان بعد وقعة بدر (٤)، وقد


(١) أغانى ٤/ ١٣٧.
(٢) ابن سلام ص ٨.
(٣) ابن سلام ص ٢٠٦.
(٤) ابن سلام ص ٢٠٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>