للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحنف العكبرى (١)

هو أبو الحسن عقيل بن محمد الملقب بالأحنف العكبرى، ظريف الشعراء المكدين ببغداد وهم شعراء كانوا ينسبون أنفسهم إلى بنى ساسان الفارسيين تظرفا، ويعيشون على الكدية أو الشحاذة الأدبية، يطوفون من بلدة إلى بلدة. وفيه يقول الصاحب بن عباد:

«لو أنشدتك ما أنشد نيه الأحنف العكبرى لنفسه، وهو فرد بنى ساسان اليوم بمدينة السلام (بغداد) لامتلأت عجبا من ظرفه وإعجابا بنظمه». ومن قوله يفتخر بمهنته وما اختاره لنفسه من الكدية والشحاذة:

ألا إنى بحمد اللّ‍ ... هـ فى بيت من المجد

بإخوانى بنى ساسا ... ن أهل الجدّ والجدّ (٢)

لهم أرض خراسان ... فقاشان إلى الهند

إلى الروم إلى الزّنج ... إلى البلغار والسّند

قطعنا ذلك النّهج ... بلا سيف ولا غمد

ومن خاف أعاديه ... بنا فى الرّوع يستعدى

وهو يفتخر بانتسابه إلى هذا البيت الكبير بيت بنى ساسان أو بيت الشحاذة الأدبية ويصوّر تطوافه وتطواف إخوانه الساسانيين، فقد قطعوا البلدان من خراسان وقاشان فى إيران إلى الهند، ومن أرض الروم والبلغار إلى أرض الزنج والسند، كل ذلك بدون أى عدة حربية، لأن أحدا لا يعترضهم، إذ هم شحاذون لا يملكون شيئا. وتنبه الصاحب بن عباد إلى ما يشير إليه البيت الأخير، فقال: لهذا البيت معنى بديع: يريد أن ذوى الثروة وأهل الفضل والمروءة إذا وقع أحدهم فى أيدى قطاع الطريق وأحب التخلص قال: أنا مكدى (أى لا يملك شروى نقير) فانظر كيف غاص، وأبرز هذا المعنى المعتاص. ويشكو الأحنف الفقر وتطوافه فى الأرض مرارا فى شعره بمثل قوله:

عشت فى ذلّة وقلة مال ... واغتراب فى معشر أنذال

بالأمانى أقول لا بالمعانى ... فغذائى حلاوة الآمال

وطبيعى أن تمر عليه أوقات رخاء وتعقبها أوقات شدة حين يقلّ ماله ولا يجد حوله من يسعفه فيشعر بالغربة ونكدها ومرارتها وما يداخلها من حرمان، ويحس كأنه يعيش ويتغذى


(١) انظر فى ترجمة الأحنف وأشعاره تاريخ بغداد واليتيمة ٣/ ١١٧ والنجوم الزاهرة ٤/ ١٧٣.
(٢) الجد بفتح الجيم: الحظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>