والفن العامى الرابع القوما، ويقول صفى الدين إن له وزنين: وزنا مثل الرباعية يتكون من أربعة شطور، يتحد أولها وثانيها ورابعها فى القافية ويختلف الثالث، ومعروف أن هذا الوزن يخرج من بحر البسيط، وأن الشطر فيه إما مستفعلن فعلن وإما مستفعلن فاعلن. أما الوزن الثانى فيقول صفى الدين إن الدور فيه يتكون من ثلاثة شطور أو كما يسميها ثلاثة أقفال مختلفة الوزن متفقة القافية، والشطر الأول أقصر من الثانى، والثانى أقصر من الثالث، ويذكر أن البغداديين اخترعوه فى دولة العباسيين برسم السحور فى شهر رمضان واشتقاق اسمه من قول المسحّرين فى آخر كل دور منه:«قوما للسحور» ينبهون بذلك ربّ المنزل ويمدحونه ويدعون له، فأطلق عليه اسم «قوما» وصار علما له. ويذكر صفى الدين إنه قيل إن أول من اخترعه ابن نقطة برسم الخليفة الناصر (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ) ويعود فيقول: الصحيح أنه اخترع من قبله وكان الناصر يطرب له وجعل لابن نقطة رسما فى كل سنة وحدث أن توفّى وكان له ابن يحسن القوما، فأخذ أتباع والده فى أول ليلة من ليالى رمضان وتغنّى على مسمع من الناصر:
يا سيد السادات ... لك بالكرم عادات
أنا بنىّ ابن نقطه ... وابى تعيش انت مات
فأعجب الخليفة منه هذا الاختصار واستحضره وخلع عليه وفرض له ضعفى ما كان لأبيه. والقوما هنا من الوزن الأول الذى ذكره صفى الدين، وقد ذكر منه منظومات تحتوى أكثر من عشرين دورا. ومثل للنوع الثانى من القوما بقوله.
داوى عضالك (١) ... بعدنا واترك نضالك
بالرّغم كان تركك لنا لا بالرّضا لك
دام العنا لك إش ترى فى العشق نالك ... ما نال احد من بعد أحبابو منالك
وينبغى أن نعرف أن هذه الفنون الأربعة العامية لم يكتب لها أن تكون الترجمان الدقيق عن مشاعر الشعوب العربية فى بغداد وغير بغداد، فقد ظلت فى مرتبة دانية، وظل ينظر إليها على أنها إنما تصلح للهزل أكثر منها للجد، وبذلك ظل الصولجان للشعر الفصيح وظل مهوى أفئدة العرب فى كل مكان، كما ظل ترجمانا صادقا عن كل ما يأملون ويألمون وكل ما يلم بهم من ابتهاج وابتئاس، حتى لنجد أصحاب الكدية والشحاذة الأدبية يؤثرونه على الشعر العامى، لما له من تأثير بعيد فى نفوس السامعين، ونقف قليلا عند الأحنف العكبرى كبيرهم فى بغداد.