ومع أن صفى الدين يعدّ هذه المواليا من الجزل المعرب إلا أنها لم تخل من اللحن كما هو واضح فى جزم الفعلين المضارعين «تشاءوا وتحرث». ويتحدث صفى الدين بالتفصيل عن الزجل وظهوره فى الأندلس وكبار أعلامه ويطيل فى بيان ما يدخله من اللحن عادة أو ضرورة، ويقول لأهل بغداد خاصة أزجال رقيقة بألفاظ لطيفة على اصطلاح لغتهم وجارى ألسنتهم على قاعدة اللحن المختص بهم، ويذكر طائفة من زجالى بغداد على رأسها على بن المراغى، ويذكر مطلع زجل له على هذا النمط:
لما أسرتم فؤادى ... أطلقت دمعى المصون
وصرت فيكم أغالى ... جهدى ولى ترخصون
وواضح أن المطلع غير ملحون. والفن العامى الثالث الذى تحدث عنه صفى الدين فن الكان وكان، وهو يتكون من أدوار كل دور أربعة شطور، وتشترك شطور المنظومة الثانية والرابعة بكل دور فى قافية واحدة مردفة قبل حرف الروى بأحد حروف العلة ودائما الشطر الأول فى كل بيت أطول من الثانى. اخترعه البغداديون كما يقول صفى الدين ثم تداوله الناس فى البلاد. ويذكر أنه سمّى بذلك لأن البغداديين أول ما اخترعوه لم ينظموا فيه سوى الحكايات والخرافات، فكان قائله يحكى ما كان وكان. واتسع طريق النظم فيه على يد كبار الوعاظ من أمثال ابن الجوزى فى أواخر القرن السادس وشمس الدين محمد بن أبى بكر بن رشيد صاحب القصائد الوترية وشمس الدين محمد بن أحمد الكوفى فى القرن السابع. ويقول صفى الدين إنهم نظموا فيه المواعظ والرقائق والزهديات والأمثال والحكم فتداولها الناس وصارت حتى عصره تستحضر فى المذاكرات ويذاكر بها فى المحاضرات، وينشد من الكان وكان غزلية موجّهة فى الطيور، وفى تضاعيفها:
طيرى الذى كان إلفى لو ردت مثلو ما حصل ... وهو علىّ معوّد وانا عليه معتاد
إذا قلع من عندى فما تزال عينى معو ... واعرف مطارو وأقعد فى البرج بالمرصاد
والمنظومة طويلة والشاعر يتخذ لغزله رمزا: طيرا نصب له شبكا فصاده وفرح واتخذه إلفا له. ويمضى فيصور كيف أن طيره أو طائره إذا حطّ فى برج لغيره لا يزال يرقبه، ومع أنه يعرف من ينزل عندهم كما يعرف جميع رفاقه يسامحه، وحين يأتيه يرضى عنه وينسى خصاله، ويقول إن الماضى: ماضى الناس جميعا لا يعود. وربما شرد منه أسبوعا بطوله، ثم أتاه ليلة الجمعة فاستقبله خير استقبال. والمنظومة طريفة كما هو واضح.