للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفتونين بها وأيضا تشبيه الأسنان فى اللثة بعقود در وصدغ الشعر المسدل بين الأذن والعين باللام وأن الأشقر منه يسيل سيلان التبر على الورق أو الفضة، كل ذلك ردده الشعر قبل الطليق ولكنه عرف كيف يصوغه ويحوّر فيه تحويرات تروع قارئه. ومن غزله قوله:

ودّعت من أهوى أصيلا ليتنى ... ذقت الحمام ولا أذوق نواه

ووجدت حتى الشمس تشكو وجده ... والورق تندب شجوها بهواه (١)

وعلى الأصائل رقّة من بعده ... فكأنها تلقى الذى ألقاه

وغدا النسيم مبلّغا ما بيننا ... فلذاك رقّ هوى وطاب شذاه (٢)

ما الرّوض قد مزجت به أنداؤه ... سحرا بأطيب من شذا ذكراه

ولذاك أولع بالرياض لأنها ... أبدا تذكّرنى بمن أهواه

وهو يصور وجده والتياعه بذكرى من يهواها من خلال عناصر الطبيعة، فالشمس فى وداعها للأفق أصيلا وما يصيبها من شحوب وصفرة كأنما تشكو وجدها بحبها، وبالمثل تندب الورق الرمادية من الحمام لوعتها بهواها، وكأنما سكبت على الأصيل والنسيم رقة الوجد وأريجه العطر، وإن شذى ذكراه لصاحبته ليفوق شذى أى روض تتفتح أزهاره الندية سحرا، وهو ما يجعله صبّا بالرياض إذ تمثّل عناصرها صاحبته له وتجسمها بكل ما فيها من حسن وجمال وفتنة. ودائما نشعر عند الطليق بروعة الموسيقى مع ما تمتاز به صياغته ولغته من صفاء وسلاسة.

ابن (٣) زيدون وولاّدة (٤)

هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومى الأندلسى ولد بقرطبة سنة ٣٩٤ فى بيت علم وفقه، لأب فقيه كان من هيئة الفقهاء المشاورين لعهد الخليفة المستعين


(١) الورق: الحمام الرمادى اللون
(٢) الشذى: رائحة الطيب والمسك.
(٣) انظر فى ترجمة ابن زيدون وشعره الذخيرة ١/ ٣٣٦ وما بعدها والحميدى ص ١٢١ والقلائد ص ٧٠ والمطرب ص ١٦٦ والمعجب للمراكشى ص ١٦٢ والمغرب ١/ ٦٣ والخريدة ٢/ ٤٨ وابن خلكان ١/ ١٣٩ والبغية رقم ٤٢٦ ومقدمتى سرح العيون وتمام المتون لرسالتيه الهزلية والجدية وكتابنا عنه طبع دار المعارف وديوانه وقد نشر مرات آخرها سنة ١٩٥٧ بتحقيق الدكتور على عبد العظيم.
(٤) راجع فى ولادة وأخبارها مع ابن زيدون وشعرها الذخيرة ١/ ٤٢٩ وما بعدها والصلة ص ٦٥٧ والمغرب ١/ ٦٥، ٦٦، ١٤٣، ١٨٠ والمطرب ص ٧ والوافى للصفدى ٤/ ٢٥١ ونفح الطيب ٤/ ٢٠٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>