(٣٩٩ - ٤٠٧ هـ) وكان جده لأمه صاحب الأحكام بقرطبة، فهو من بيت حسب ونسب وثراء، وعنى أبوه بتربيته إلى أن توفى سنة ٤٠٥ وظل بعده ينهل من العلوم والمعارف بقرطبة وخاصة من الآداب العربية. وليس لدينا أخبار واضحة عنه فى شبابه إلا ما انعقد بينه وبين ولادة بنت الخليفة المستكفى من حب، وقد توفى أبوها سنة ٤١٦ وما توافى سنة ٤٢٢ حتى تسقط دولة الخلافة الأموية فى قرطبة، ويتولى أبو الحزم جهور مقاليد الحكم وجعله حكما شوريا ديمقراطيا من خلال مجلس كان يرجع إليه فى سياسته وتدبير شئون حكمه. وأكبر الظن أن ابن زيدون كان ممن انتظموا حوله فى حاشيته، ودسّ عليه حوالى سنة ٤٣٠ أنه يشترك فى مؤامرة ضد أبى الحزم جهور، وتصادف أن اتّهم بالاستيلاء على عقار لبعض مواليه، وزج به أبو الحزم فى السجن، واستعطفه برسالته الجدية وبقصائد مختلفة، غير أنه ظل يصمّ أذنيه عنه إلى أن توسط له ابنه أبو الوليد-وكان صديقا له- فرد إليه أبو الحزم حريته. ويتوفى سنة ٤٣٥ ويخلفه ابنه أبو الوليد فيعهد لصديقه ابن زيدون بالنظر على أهل الذمة، ثم يتخذه وزيرا له، ويوفده فى عدة سفارات إلى أمراء الطوائف، وتدبّر فى سنة ٤٤٠ مؤامرة ضد أبى الوليد وتفشل المؤامرة، ونجد ابن زيدون بعدها مضطربا ويرسل إلى المعتضد عباد أمير إشبيلية أن يلجأ إليه، ويرحب بمقدمه عليه سنة ٤٤١ ويتخذه وزيرا له حتى وفاته سنة ٤٦١ ويظل وزيرا لابنه المعتمد إلى أن يلبى نداء ربه سنة ٤٦٣.
وابن زيدون من أعلام الشعر والنثر فى الأندلس، وله مدائح رائعة فى أبى الحزم بن جهور وابنه أبى الوليد والمعتضد عباد، وله أيضا مراث بديعة. غير أن القطعة الأرجوانية فى حياته وشعره هى كلفه بولادة وما نظمه فيها من غزل، وكانت أديبة شاعرة، واتخذت لها مجلسا أو ندوة بقصرها تخالط فيها الشعراء وتساجلهم وتفوق أحيانا البارعين منهم، وفيها يقول ابن بسام:«كانت فى نساء أهل زمانها واحدة أقرانها حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرّتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب، وكرم أنساب، وطهارة أثواب».
وولادة-بذلك-تكون قد سبقت سيدات الصالونات الأدبية فى فرنسا اللائى نسمع بهن بعدها بستة قرون أو سبع ممن كن يتخذن-على شاكلتها-ندوات يختلف