إليها بعض الشباب والكهول من الأدباء والمتفلسفة لما يمتزن به من رجاحة العقل وخفة الروح والقدرة على إدارة الحديث والمشاركة فيه مع شئ من الحسن والجمال. ولو أن الأمور والأحوال السياسية استقامت واطردت استقامتها فى الأندلس لوجدنا كثيرات مثل ولادة، لهن مثل مجلسها ومنتداها على نحو ما مرّ بنا من حديث عن السيدة حواء زوجة حاكم إشبيلية المرابطى سير بن أبى بكر وممدوحة الشاعر الأعمى التطيلى، وكما سنرى عما قليل مثيلتها حفصة الرّكونيّة فى عهد الموحدين، ومن المؤكد أن كثيرات من الشاعرات اللائى ترجم لهن المقرى واللائى يبلغن أربعا وعشرين كان لهن مجالس ومنتديات على شاكلة ولادة. وهى ثمرة الحرية التى استمتعت بها المرأة فى الأندلس والتى أشرنا إليها مرارا. وينبغى أن نفرق دائما بين الحرية والمجون، فلم تكن ولادة ومثيلاتها فى الأندلس ماجنات إنما كن سيدات فضليات قدن فى المجتمع الأندلسى نهضة أدبية وفكرية، وقد أشار ابن بسام إلى عفة ولادة فقال «مع طهارة أثواب»، كما أشار إلى استشعارها لكرامتها بقوله:«مع علو نصاب، وكرم أنساب» وكذلك كانت مثيلاتها من ذوات الحسب والنسب، على نحو ما صورنا ذلك عند السيدة حواء فيما أسلفنا من حديث.
وكان ممن اختلف إلى مجلس ولادة أو منتداها الفتى الشاعر النابغ ابن زيدون، وظل مواظبا على ذلك أياما وشعر أنها تؤثره، فوقعت فى قلبه كما وقع فى قلبها، واتصل بينهما الود، ويروى أنها كتبت إليه بعد طول تمنع لما أولع بها:
ترقّب إذا جنّ الظلام زيارتى ... فإنى رأيت الليل أكتم للسّرّ
وبى منك ما لو كان بالشمس لم تلح ... وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر
واتصل بينهما اللقاء فى منتداها وفى حدائق قرطبة، تغمرهما نشوة الحب، وتارة ينشدها من أشعاره فيها وتارة ينشدها من أشعار الغزلين من أمثاله، وحدث أن غاب عنها لأمر عرض له، فكتبت إليه:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرّق ... سبيل فيشكو كلّ صبّ بما لقى
تمرّ الليالى لا أرى البين ينقضى ... ولا الصبر من رقّ التشوّق معتقى
غير أنها لم تلبث أن تبدلت، فأذاقته بعد نعيم حبها وقربها جحيم هجرها وبعدها، ويقال إن سبب هذا الهجر أنها لا حظت مغازلته لإحدى جواريها، ويقال: بل لأنه نقد لها بعض