شعرها، وسواء كان هذا أو ذاك هو السبب فإن ابن زيدون أخطأ فى حقها أو فى حقّ شعرها خطأ كبيرا. ويقال إنها صبت إلى أديب نابغ ثرى ممن كانوا يختلفون إلى منتداها هو ابن عبدوس وصبا إليها، فطار صواب ابن زيدون، وكتب إليه رسالته الهزلية ساخرا منه كما كتب إليه قصائد مهددا متوعدا، غير أن ولادة لم تصفح عنه، وظل مبعدا محروما.
وغزله فيها-كما صورنا ذلك فى كتابنا عنه-يصور ثلاث مراحل: مرحلة وصله، ومرحلة هجره، ومرحلة يأسه، وغزل المرحلة الأولى فيه بهجة وفرحة، إذ ينعم بقرّة عينه ويسعد سعادة لا حدود لها. أما غزل المرحلة الثانية ففيه الشكوى والحرقة والالتياع العميق والحسرة على فردوسه المفقود. بينما غزل المرحلة الثالثة غزل المبتئس الباكى النادب لحظه. وغزله يعدّ فى الذروة من الغزل العربى وخاصة غزل المرحلتين الثانية والثالثة، لما يصور فيهما من لوعاته المحرقة الممضة، ومن أروع قصائده الغزلية فى صاحبته قافيته التى يستهلها بقوله:
إنى ذكرتك بالزّهراء مشتاقا ... والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وهو يذكر منتداها فى قصرها بضاحية الزهراء وما تموج به من رياض وبساتين، وتغمره اللوعة واللهفة على لقائها ويشرك الرياض التى طالما جاسا معا خلالها وتجوّلا بين أشجارها وأزهارها وطيرها ومياهها فى أحاسيسه ومشاعره، وكأنها تشاركه همومه، وأروع من هذه القصيدة قصيدته:
أضحى التّنائى بديلا من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
بالأمس كنا وما يخشى تفرّقنا ... واليوم نحن وما يرجى تلاقينا
والقصيدة تكتظ بالحنين وبلوعات قلب محترق وزفراته، ولعل يأسه من ولادة هو الذى دفعه إلى مغادرته قرطبة مسقط رأسه إلى إشبيلية، لعله يستطيع أن ينسى حبه أو يسلوه، ويقول صاحب الصلة إنها عمرت عمرا طويلا ولم تتزوج قط، وتوفيت سنة ٤٨٤ بعد أن خلدت اسمها فى تاريخ الشعر العربى وتاريخ المرأة الأندلسية.
(١) السلسل: الماء العذب. الكوثر: نهر فى الجنة. الزقوم والغسلين: طعامان من أطعمة أهل النار.