لشعراء الشام من قديم عناية بوصف طبيعة بيئتهم ومشاهدها الخلابة، ومرت فى كتاب العصر العباسى الأول عناية أبى تمام بوصف الطبيعة فى مقدمات مديحه أو مستقلة فى بعض أشعاره، من ذلك وصفه للربيع، وكذلك وصفة للطير وأحاسيسه، على نحو ما عرضنا هناك من تصويره لقمرىّ وقمريّة يتساقيان رحيق الهوى، بينما هو محزون شديد الحزن. ووقفنا فى كتابنا العصر العباسى الثانى عند براعة البحترى فى وصفه للطبيعة وكان يحسن تصوير مناظرها الساحرة. ونلتقى فى أوائل عصر الدول والإمارات بكشاجم وله كتاب فى الصيد سماه المصايد والمطارد وهو منشور، وله قصائد مختلفة فى وصف كلاب الصيد وجوارح الطير وقصائد كثيرة فى وصف الرياض والسحب والأمطار من مثل قوله:
غيث أتانا مؤذن بخفض ... متصل الويل حثيث الرّكض
يضحك فى برق خفىّ الومض ... كالكفّ فى انبساطها والقبض
والأرض تجلى بالنبات الغضّ ... فى حليها المحمرّ والمبيضّ
وأقحوان كاللّجين محض ... ونرجس ذاكى النسيم بضّ
مثل العيون رنّقت للغمض ... ترنو ويغشاها الكرى فتفضى
وهو مطر متصل الوبل يؤذن-كما يقول-بخفض العيش واتساعه ويسره والبرق يلمع بين السحب ويتوارى كالكف تنبسط وسرعان ما تنقبض، والأرض كأنها فى حفل عرس تجلى بأزهارها وورودها والأقحوان يتلألأ كالفضة الخالصة والنرجس العطر النضر مثل العيون تنكسر جفونها للنوم، وهى تارة ترنو وتارة تستسلم للنوم فتغضى أو بعبارة أخرى تطبق جفونها الناعسة، وتنسب إلى سيف الدولة الحمدانى الأبيات التالية فى قوس قزح (١):
لقد نشرت أيدى الجنوب مطارفا ... على الجوّ دكنا والحواشى على الأرض
يطرّزها قوس الغمام بأصفر ... على أحمر فى أخضر تحت مبيضّ