للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأذيال خود أقبلت فى غلائل ... مصبّغة والبعض أقصر من بعض

يقول: رياح الجنوب نشرت على الجو ثيابا دكناء مغبّرة ملأت الآفاق بالطول والعرض وحواشيها على الأرض، وقوس قزح يطرّزها بألوانه البهيجة الكهرمانية والياوتية والزمردية، وكأنما شابة جميلة أقبلت فى غلالات أو ثياب رقيقة صبغت بألوان مختلفة بالطول والعرض وبعضها أقصر من بعض. وهى صورة بديعة. ويقول العرقلة من شعراء الخريدة (١):

الشام شامة وجنة الدنيا كما ... إنسان مقلتها الغضيضة جلّق

من آسها لك جنّة لا تنقضى ... ومن الشقيق جهنّم لا تحرق

فعلام تصحو والحمام كأنها ... سكرى تغنّى تارة وتصفّق

وتلوم فى حب الديار جهالة ... هيهات يسلوها فؤاد شيّق

وهو يجعل الشام خالا فى وجنة الدنيا ويجعل «جلّق» اسم دمشق القديم إنسان مقلتها الغضيضة التى ترمقها باستحياء، لجمال أزهارها من آس وغير آس، وكأنما تخدّر بجمالها أحاسيس مشاهدها، فلا يصحو، والحمام من حوله فرح بهيج يغنى ويصفق طربا. وإن الشام لخليقة بحب أهلها وفتنتهم بها لجمال مناظرها الطبيعية.

ويقول فتيان الشاغورى فى وصف قرية الزبدانى بشهر كانون شتاء والثلوج تتراكم على أشجارها ونباتاتها فى شهر كانون زمن الشتاء مهيئة لازدهار أزهارها فى زمن الربيع (٢):

قد أجمد الخمر كانون بكل قدح ... وأخمد الجمر فى الكانون حين قدح

يا جنّة الزّبدانى أنت مسفرة ... عن وجه حسن إذا وجه الزمان كلح

فالثلج قطن عليك السّحب تندفه ... والجو يحلجه والقوس قوس قزح

وقد صور فتيان كل ما يحمل ماء فى الزبدانى بأقداح تحمل خمرا، وقد جمّدها القرّ الشديد وأخمد الجمر فى الكانون أو الموقد حين اتّقد. ويتصور قرية الزبدانى جنة من جنان الدنيا، وما يلبث أن يصوّر الثلج وهو يتساقط كالريش من السحب مثل قطن، والسحب تندفه بقوس قزح. والجو يحلجه. صورة بديعة.


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٢١٧
(٢) الديوان ص ٩٤ وابن خلكان ٤/ ٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>