للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الوداعى على بن المظفر فى مناظر رأس العين ببعلبك (١):

يا حادى الأظعان إن شارفت ... من بعلبكّ سفح لبنانه

فاقرأ تحياتى على نازل ... فى محجر العين كإنسانه

والروض يهدى مع نسيم الصّبا ... نشر خزاماه وريحانه

وراسل القمرىّ ورقاءه ... شدوا على أوتار عيدانه

وقد أشار الوداعى إشارة واضحة بمحجر العين إلى رأس العين منزل صاحبته، وأبدع فى البيت الأخير إذ جعل القمرى المترنم على عيدان الأشجار يراسل صاحبته شدوا وغناء على أوتار تلك العيدان. وتكثر مثل هذه الطرائف التصويرية عند معاصريه فى زمن المماليك، وبعدهم فى زمن العثمانيين كقول فتح الله بن النحاس فى وصف الربيع (٢):

نثر الربيع ذخائر النّ‍ ... وّار من جيب الغوادى

والورد مخضوب البنا ... ن مضرّج الوجنات نادى

حرسته شوكة حسنه ... من أن تمدّ له الأيادى

والعندليب أمامه ... بفصيح نغمته ينادى

من رام يعبث بالخدو ... د فدونها خرط القتاد (٣)

والصور فى الأبيات جيدة فالربيع ينثر الأزهار من حبيب السحب الغوادى والورد أحمر البنان والوجنات تلمع عليه لألئ الندى، والشوك يحرسه من قطف الأيادى والعندليب ينادى: دون هذه الوجنات خرط القتاد، وهو مثل يضرب للشئ لا ينال إلا بمشقة شديدة، والقتاد: نبات صلب له شوك الإبر وخرطه: انتزاع إبره.

وبجانب وصف الطبيعة كان للهو مجالسه فى متنزهات الغوطة بدمشق وغير الغوطة بالشام، إذ تمتلئ بالبساتين، وكان له مجالس أخرى فى الأديرة، مما أتاح لنظم خمريات كثيرة تارة تكون مستقلة وتارة تمتزج بوصف الطبيعة أو بالغزل، وتمادى بعض الشعراء فى مجونه وأسرف فى هزله على نحو ما نقرأ من أشعار لأبى الرقعمق (٤) الأنطاكى شاعر المعز الفاطمى وأبنائه ووزرائهم، وكان


(١) خزانة الأدب للحموى ص ٣٤٢
(٢) الديوان ص ٢٣ ونفحة الريحانه ٢/ ٥١٢
(٣) دونه خرط القتاد: مثل يضرب للشئ لا ينال إلا بمشقة شديدة.
(٤) انظر فى أبى الرقعمق اليتيمة ١/ ٣٢٦ وابن خلكان ١/ ١٣١ والعبر ٣/ ٧٠ والشذرات ٣/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>