للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يستحى من التصريح بالفحش والمآثم على شاكلة أبى الحجاج ماجن العراق الذى تحدثنا عن مجونه وهزله فى الجزء الخامس من هذه السلسلة، ومن نظيف مجونه قوله (١):

توهّمت أمرا فلم أنبس ... بحرف وناديت بالأكؤس

حميّا كأن سنا نورها ... سنا بارق لاح فى الحندس (٢)

يعاطيكها رشأ طرفه ... سريع إلى تلف الأنفس

بخدّ يروقك توريده ... وعين تنوب عن النّرجس

وهو يقول إن بعض الأوهام ساورته فلم ينبس ببنت شفة أو كلمة وانصرف إلى الخمر معشوقته التى تلعب حميّاها بخياله، فيظن كأن ضوءها ضوء برق لمع فى دجى الليل، وإن ساقية ساحرة الطّرف لتقدمها إليك فتصيبك فى الصميم بخد مورّد وعين فاتنة.

ويقول الغزى الذى مرت ترجمته (٣):

قم نفترعها كأنها الذهب ... بكرا، أبوها وأمّها العنب

أرقّ من عبرة اليتيم ومن ... عبارة الصّبّ قلبه وصب

مدامة تصقل القلوب إذا ... رانت عليها الهموم والرّيب

كئوسها أنجم نضلّ بها ... لا يهتدى من تضلّه الشّهب

لا فدم فينا ولا فدام لها ... عروس دنّ عقودها الحبب

وهو يقول لصاحبه قم نفترعها أو نفتضها ونشربها، إنها فى رأيه-كعروس بكر-أبوها وأمها العنب، رقيقة رقة عبرة اليتيم وعبارة الصب أو المحب الوصب الموجع قلبه. ويقول إنها تجلو القلوب وتكشف عنها الهموم والريب أو الشكوك، ويعجب من كئوسها أن تكون أنجما ولا تهدى، بل تضل صاحبها وأى ضلال بينما عادة النجوم أن تهدى، ومن تضله لا يهتدى أبدا، لأنه فقد هداه. ويذكر أن ليس فى رفاقه فدم أو أحمق وأنه لا فدام لها أو مصفاة إذهى شديدة الصفاء، ويقول إنها عروس دنّ عقود جيدها لآلئ الحبب التى تعلو كئوسها حين يمتزج بها الماء. ويدعو فتيان الشاغورى صديقا إلى نزهة قائلا (٤):


(١) اليتيمة ١/ ٣١٢
(٢) حميا الخمر: سورتها وشدتها. سنا: ضوء. الحندس: دجى الليل الشديد السواد.
(٣) الخريدة (قسم الشام) ١/ ١٨
(٤) الديوان ص ٢٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>