للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بادر إلينا فإن الراح ممكنة ... والكأس دائرة والشّمل مجتمع

ويومنا طيّب صافى الأديم وما ... فيه هواء ولا فى رأسه قزع

والطير ترقص فى الأغصان من طرب ... تكاد منه على هاماتنا تقع

وفتيان يصور لصاحبه ما فيه من أنس مع رفاقه، فالكأس دائرة بينهم واليوم من أيام الربيع لا فيه عواصف ولا فى سمائه قزع أو قطع من السحاب المنتشر المنذر بالمطر، والطير ترقص على الأغصان طربا وفرحا بالربيع حتى تكاد لشدة فرحها وطربها تقع على هاماتهم أو رءوسهم.

وتكثر مقطعات الشعر فى مجالس اللهو سواء فى الخمر أو فى الطبيعة ويشتهر بنظمها أربعة يفرد لهم الحموى فى خزانته فصولا طويلة هم مجير الدين بن تميم، وسنخصه بترجمة، وبدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبى المتوفى سنة ٦٨٠ والقاضى محيى الدين بن قرناص الحموى معاصره وعلى بن المظفر الوداعى المتوفى سنة ٧١٦، ومن طريف ما أنشده الحموى لابن لؤلؤ الذهبى قوله (١):

باكر إلى الروضة نستجلها ... فثغرها فى الصبح بسّام

والنرجس الغضّ اعتراه الحيا ... فغضّ طرفا فيه أسقام

وبلبل الدّوح فصيح على الأ ... يكة والشّحرور تمتام

فعاطنى الصّهباء مشمولة ... عذراء فالواشون نوّام

واكتم أحاديث الهوى بيننا ... ففى خلال الروض نمّام

وهو خفيف الروح مثل زملائه المذكورين وكانوا جميعا يعنون بالتورية التى أشاعتها مصر منذ العصر الفاطمى عناية واسعة، وقد ورّى فى البيت الثانى بكلمة الحيا وهو الخجل عن الحيا بمعنى المطر. وجعل للبلبل لجمال غنائه وشدوه الفصاحة وللشحرور وهو نوع من العصافير التمتمة. ضرب من المقابلة. وجعل الصهباء مشمولة أو باردة طيبة واستتم الصورة بأنها بكر أو عذراء والواشون نوام. وعاد إلى التورية فى البيت الأخير بكلمة نمّام-وهو ضرب من السّعتر مزهر-عن النّمام الحقيقى من الأشخاص. ويقول محيى الدين بن قرناص (٢):

روضة من قرقف أنهارها ... وغناء الورق فيها بارتفاع

لا تلم أغصانها إن رقصت ... فهى ما بين شراب وسماع


(١) خزانة الأدب للحموى ص ٣٢٦
(٢) نفس المصدر ص ٣٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>