من المؤكد أن النثر الفنى من رسائل وغير رسائل نهض فى صقلية كما نهض الشعر، وكما نهضت العلوم الدينية، ومن يرجع إلى الخريدة ومن ترجم لهم من الشعراء هناك يجده يذكر فى عنوانات الشعراء أنهم كتاب، ذكر ذلك مع خمسة عشر شاعرا، ونوّه فى غير كاتب بإحسانه فى الكتابة كأن يقول فى البثيري الشاعر الكاتب:«باعه فى الترسل أمدّ، وخاطره فى النثر أحدّ» ويقول فى على بن الحسن بن الطوبى: «مؤلف دفاتر، ومصنف جواهر، ومقلد دواوين» يشير بذلك إلى أنه من كتاب الدواوين، ويصف نثره بأنه جواهر، ويقول عن ابن القرقورى إن ابن القطاع أثنى على نظمه ونثره كثيرا، كما يقول إن ابن القطاع ذكر عن هاشم بن يونس الكاتب أنه صاحب ترسل ومقامات وعن محمد بن الحسن الطوبى أنه كان صاحب ديوان الرسائل والإنشاء مترسلا شاعرا، ويقول القفطى عنه: عالم بالرسائل، وكلامه فى نهاية الفصاحة، وشعره فى غاية الملاحة، وله مقامات تزرى بمقامات البديع، وإخوانيات كأنها زهر الربيع».
وكل ذلك يدل على أن صقلية حازت لنفسها فى النثر نشاطا واسعا، بل إن من كتابها-كما يقول القفطى-من كانت مقاماته تزرى بمقامات البديع، وسقطت تلك المقامات من يد الزمن كما سقطت معها الرسائل البديعة شخصية ورسمية مما دبّجه الكتّاب هناك قبل العصر النورمانى وأيضا ما كتبوا ودبّحوا من أعمال أدبية متنوعة، ولولا أن ابن بسام ترجم لبعض من غادروا صقلية من الكتاب البارعين قبيل العهد النورمانى مثل ابن الصباغ، وسنخصه بكلمة.
وأيضا لولا أن ابن بشرون المهدوى زارها فى عهد روجار الثانى واحتفظ فى ترجمته لبعض شعرائها-وأقصد عيسى بن عبد المنعم وابنه محمد-ببعض رسائلهما ما استطعنا التعرف بوضوح على ما حظى به النثر هناك من نهضة ورقى، وسنراهما واضحين عند كاتبها المتأخر ابن ظفر، وسنفرده بترجمة قصيرة.
أما عيسى بن عبد المنعم فيذكر العماد عن ابن بشرون أنه: «كان كبير الشان، ذا الحجة والبرهان، فقيه الأمة، وأمثل الأئمة، له المعانى الأبكار البعيدة مرامى مرامها، والألفاظ التى هى