وكان لا يزال يكثر من حديث الموت، وأنه نازل عما قريب، فينبغى لكل إنسان أن يعدّ العدّة للرحيل، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من عمل عملا صالحا، ومن قوله فى ذلك:
إذا الجسد المعمور زايل روحه ... خوى وجمال البيت يا نفس آهله
وقد كان فيه الروح حينا يزينه ... وما الغمد لولا نصله وحمائله
إذا الأرض خفّت بعد ثقل جبالها ... وخلّى سبيل البحريا نفس ساحله
فلا يرتجى عونا على حمل وزره ... مسئ وأولى الناس بالوزر حامله
ونراه يدعو إلى الرضا بقضاء الله، فلا معدى عنه، ولا منصرف إلا إليه، وأولى بنا أن نصبر وأن لا نجزع، وهو يردد ذلك فى أشعاره على شاكلة قوله:
وإن جاء مالا تستطيعان دفعه ... فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا
ويظهر أنه كان شاعرا مكثرا، يدل على ذلك قول الجاحظ واصفا زهدياته:
«لو أن شعر سابق البربرى كان مفرقا فى أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أرفع مما هى عليه بطبقات. . ولكن القصيدة إذا كانت كلها أمثالا لم تسر.
ومتى لم يخرج السامع من شئ إلى شئ لم يكن لذلك عنده موقع».
[٤ - شعراء اللهو والمجون]
رأينا فى غير هذا الموضع كيف تحضر العرب فى هذا العصر، وكيف أن كثيرين منهم أترفوا ترفا شديدا، إذ أحاطوا أنفسهم بكل مظاهر النعيم من قصور باذخة ومطاعم وملابس أنيقة، وجوار ورقيق. ودائما حين تغرق الأمم فى الترف يتورط كثير من أبنائها فى آثام مختلفة من اللهو والمجون، وإذا كنا لاحظنا فيما أسلفنا انتشار موجة من الزهد فى العصر كان لها آثار عميقة فى