للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعر والشعراء فإن هذه الموجة انحسرت عن كثير من الأفراد إذ الناس ليسوا سواسية، منهم من يجد فى الدين ومثاليته الروحية متاعه، ومنهم من ينحرف عن الدين إلى حياة ماجنة يتهالك فيها على اللهو والخمر.

ومعروف أن الإسلام حرّم الخمر، وأن عمر شدّد فى عقابها حين وجد بعض المسلمين يقترفونها من مثل أبى محجن الثقفى، وقصة صلاة الوليد بن عقبة والى الكوفة لعثمان بالناس وهو سكران مشهورة. غير أن أمثاله وأمثال أبى محجن فى عصر الخلفاء الراشدين كانوا قليلين. ونحن لا نمضى فى عصر بنى أمية، حتى تظهر آثار الفتوح وما حملت من أموال وحضارات وصور من الترف إلى العرب، فتحضرت مكة والمدينة، بل أترفتا، وتحضر العرب الذين خرجوا فى الفتوح واستقروا فى البيئات الجديدة، وأخذ كثير منهم يندفع فى الاستمتاع بالحياة، وبالغ نفر فى هذا الاستمتاع، متحررا من قوانين الدين. وكلما تقدمنا فى العصر ازداد ذلك قوة وحدة، وخاصة فى البيئات.

البعيدة التى رحل إليها العرب، وظهروا على ما فيها من خمور، وأقصد بيئة خراسان، حيث كانت تزخر بالخمر وبالطبول والمزامير، وقد مرّ بنا كيف أن واليا عليها-هو قتيبة بن مسلم-اضطرّ حين وجد تفشى الخمر فى جنده أن يعاقب على احتسائها بالقتل.

والحق أنها كانت تنتشر فى كل البيئات، وقلما نجدها فى مكة والمدينة حيث كانت تنتشر دور الغناء. ومن الشعراء الذين نهلوا من كئوسها فى هذه البيئة لعهد معاوية ابن أرطاة (١)، وعبثا حاول مروان بن الحكم والى المدينة أن يردّه عنها، وفيها يقول:

إنا لنشربها حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان

ومنهم عبد الرحمن بن الحكم (٢) الذى كان يهاجى عبد الرحمن بن حسان، وفيها يقول:


(١) راجع فى ابن أرطاة الأغانى (طبع دار الكتب) ٢/ ٢٤٢ وما بعدها.
(٢) انظر فى ترجمته أغانى (دار الكتب) ١٣/ ٢٥٩ وراجع المبرد ص ٥٢ والبيان والتبيين ٣/ ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>