للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترى شاربيها حين يعتورانها ... يميلان أحيانا ويعتدلان

وممن كانوا يحتسونها فى هذه البيئة لأواخر العصر ابن ميّادة (١) مادح الوليد ابن يزيد بن عبد الملك ونديمه، وهو من مخضرمى الدولتين، وفيها يقول:

ومعتّق حرم الوقود كرامة ... كدم الذّبيح تمجّه أوداجه (٢)

ضمن الكروم له أوائل حمله ... وعلى الدّنان تمامه ونتاجه (٣)

ومثله ابن هرمة (٤)، وكان مشغوفا بها كلفا، وهو القائل:

أسأل الله سكرة قبل موتى ... وصياح الصّبيان يا سكران

وإذا تركنا الحجاز إلى العراق وجدنا كثيرين يقبلون على الخمر فى غير حياء ولا استخفاء، وكأنما كانت الفتن هناك وما حمّلتهم من الخطوب باعثا لهم على المجون، حتى ينسوا به عناءهم، ومن ثم مضى نفر منهم يعلن معاقرته لها، وأنه لن ينصرف عنها، على شاكلة سحيم (٥) بن وثيل الرياحى التميمى، وكان فيه غير قليل من بقايا الجاهلية، وأكبر الدلالة على ذلك معاقرته لغالب أبى الفرزدق التى مرت بنا، والتى مضى فيها ينافسه فى نحر إبله لقومه، ويظهر أنه كان يكثر من الشراب كثرة جعلت امرأته حدراء تراجعه وتكثر من مراجعته، فقال:

تقول حدراء ليس فيك سوى ال‍ ... خمر معيب يعيبه أحد

فقلت: أخطأت بل معاقرتى ال‍ ... خمر وبذلى فيها الذى أجد


(١) انظر فى ترجمته أغانى (دار الكتب) ٢/ ٢٦١ والشعر والشعراء ٢/ ٧٤٧ والخزانة ١/ ٧٦ والبيان والتبيين ٣/ ٣٤٣.
(٢) المعتق: الشراب القديم. حرم الوقود: لم يطبخ بالنار. الأوداج: جمع ودج وهو عرق فى العنق.
(٣) تمامه: يقصد تمام مدة حمله.
(٤) راجع فى ترجمته أغانى (دار الكتب) ٤/ ٣٦٧ والشعر والشعراء ٢/ ٧٢٩ والخزانة ١/ ٢٠٣ والموشح ص ٢٢٣.
(٥) انظر فى ترجمته ابن سلام ص ٤٨٩ والإصابة ٣/ ١٦٤ والخزانة ١/ ١٢٣ والشعر والشعراء ٢/ ٦٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>