للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عفو الله وغفرانه، وهو يكرر هذه النغمة كثيرا فى خمرياته؛ ويقول له: انظر إلى ما حولك من جمال الطبيعة الساحر وما فيها من بدائع النور والزهر وما ينتشر فيها من نواح الطير الذى يستثير حزنه كما يستثير فيه السرور والفرح. ويدعوه إلى شرب الخمر ذكية الرائحة وسط مباهج الطبيعة على ألحان مغن حاذق يجيد العزف حتى ليحرك فى السامع كل عضو ساكن منه تحريكه لسواكن أوتاره. وفى كتاب اليتيمة قطعة كبيرة من شعر ابن وكيع. وكان له ديوان رآه ابن خلكان سقط من يد الزمن، ولو وصلنا لعرفنا بوضوح مدى تأثيره فى الشعراء المصريين بعده وفيما نظموه من شعر الخمر والطبيعة، ومع ذلك ففى رأينا أن هذه القطعة كافية فى بيان أثره فيمن خلفوه. وهذه هى أول مرة نلتقى فيها بشاعر فى إقليم عربى يعيش للخمر والطبيعة ولا يعنى أى عناية بالمديح.

الشريف (١) العقيلىّ

هو على بن الحسين بن حيدرة ينتهى نسبه إلى عقيل بن أبى طالب، وتاريخ مولده غير معروف وكذلك تاريخ وفاته، غير أن الثعالبى ترجم له فى اليتيمة باسم أبى الحسن العقيلى وأردف الاسم بكلمة رحمه الله والثعالبى ترجم لشعراء أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس، وقد يفهم من قوله رحمه الله، أن العقيلى لا بد أن يكون قد توفى قبل وفاته ومعروف أن الثعالبى توفّى سنة ٤٢٩، ويقول ابن سعيد فى المغرب: «سألت عن العقيلى جماعة من أهل مصر فلم أر فيهم من يتحقق أمره، وقال لى أحد الشرفاء المعنيين بأنساب الشرف: كان فى المائة الرابعة». وقد يشهد لذلك أننا نجد فى ديوانه أبياتا ينوه فيها بالحسين بن جوهر وزير الحاكم، وكان من بين من قتلهم سنة ٤٠١. ويبدو أن كلمة «رحمه الله» فى اليتيمة وضعها الثعالبى-إن كان هو الذى وضعها- خطأ أو سهوا فقد جاء فى خطط المقريزى ما يشير إلى أن العقيلى امتدت حياته حتى سنة ٤٤٨ إذ ذكر أنه أنشد المستنصر الفاطمى صبيحة يوم عرفة فى هذه السنة:

قم فانحر الراح يوم النّحر بالماء ... ولا تضحّ ضحّى إلا بصهباء (٢)

أدرك حجيج النّدامى قبل نفرهم ... إلى منى قصفهم مع كلّ هيفاء


(١) انظر فى الشريف العقيلى وترجمته وأشعاره اليتيمة ١/ ٤١٥ والمغرب (قسم الفسطاط) ص ٢٠٥ وقد أنشد ابن سعيد قطعة كبيرة من شعره وراجع الفوات ٢/ ٩٩ والفن ومذاهبه فى الشعر العربى ص ٤٨٣ ومقدمة ديوانه (طبع الحلبى). بتحقيق د. زكى المحاسنى.
(٢) انحر: اذبح. يوم النحر: يوم الأضحى. تضحى تذبح الأضحية. الصهباء الخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>