وتركت ليبيا إلى القطر التونسى قلب إفريقية النابض، فتحدثت عن جغرافيته وتاريخه المغرق فى القدم وفتح العرب له واعتناق أهله الدين الحنيف وعن ولاته الأولين وفى مقدمتهم عقبة بن نافع مؤسس مدينة القيروان وحسان بن النعمان مؤسس مدينة تونس وموسى بن نصير فاتح الأندلس. ومن أهم ولاتها فى القرن الثانى. عبد الرحمن بن حبيب حفيد عقبة بن نافع المستولى على جزيرة قوصرة فى البحر المتوسط. ومن ولاتها بعده يزيد بن حاتم المهلبى وقد أحدث بها حركة أدبية نشيطة. ولم يلبث أن تولاها إبراهيم بن الأغلب وجعلها الخليفة هارون الرشيد وراثية فى أبنائه، وافتتحت تلك الدولة صقلية سنة ٢١٢ هـ/٨٢٧ م ونشرت بها أضواء الإسلام والعروبة كما نشرتهما فى مالطة بعد فتحها سنة ٢٥٥ هـ/٨٦٨ م. وتخلفها الدولة العبيدية سنة ٢٩٦ هـ/٩٠٩ م إلى أن انتقل المعز العبيدى الفاطمى إلى مصر سنة ٣٦١ هـ/٩٧١ م وخلفه فى الإقليم التونسى الدولة الصنهاجية وظلت تستشعر ولاءها للدولة الفاطمية فى القاهرة إلى أن أعلن حاكمها الصنهاجى المعز بن باديس استقلاله عن مصر سنة ٤٣٨ هـ/١٠٤٦ م وقيل بل فى سنة ٣٩ أو أربعين، مما جعل الخليفة الفاطمى المستنصر يسلّط عليه أعراب بنى هلال وسليم، وكانوا قد نزلوا شرقى الصعيد وعاثوا فيه فسادا فنزحوا إلى ليبيا وإفريقية التونسية كجراد منتشر، ونازلوا المعز واضطروه إلى الانحياز إلى مدينة المهدية، واستقل بعض الولاة بمدنهم وأقاليمهم. وبذلك شاع فى إفريقية التونسية نظام أمراء الطوائف مثل بنى جامع الهلاليين فى قابس وبنى خراسان فى تونس. وفى سنة ٥٤٣ هـ/١١٤٨ م نزل الساحل التونسى ومدينة المهدية روجّار الثانى النورمانى وطرده عبد المؤمن الموحدى بعد اثنتى عشرة سنة، وعاث فى أرجائها قراقوش وابن قراتكين وابنا غانية، وأنقذ البلاد منهم الموحدون والدولة الحفصية، وعاشت لعهد الحفصيين فى رخاء وأمن، وحاصر تونس لويس التاسع وقبر تحت أسوارها، ونهضت البلاد نهضة علمية وأدبية طوال ثلاثة قرون، وأغار عليها شارل الخامس ملك إسبانيا سنة ٩٤٢ هـ/١٥٣٥ م وخلّصها منه بعد نحو أربعين عاما الأسطول العثمانى سنة ٩٨١ هـ/١٥٧٣ م وتبعت الدولة العثمانية، وتوالى عليها البايات، ومن خيرهم مراد باى وأسرته، والباي حسين بن على وأسرته.
ويزخر المجتمع التونسى-بجانب سلالات البربر-بعناصر جنسية كثيرة: فينيقية وقرطاجية وزنجية ويهودية ورومانية وألمانية من الوندال وبيزنطية وعربية وممن امتزج بهم العرب من إيران والشام ومصر وأيضا عناصر أندلسية وتركية ومسيحية ممن جلبهم القراصنة، وامتزجت هذه العناصر وكونت الشعب التونسى وظل للعنصر البربرى فيه الغلبة مع ما حدث