والزيدية لا يؤمنون فى إمامهم بمعرفته لهذا العلم وما يجر إليه من الاعتقادات الباطلة، ومع ذلك نرى العنسى يشيد بمعرفة جعفر الصادق له، وكأنه أحد الإسماعيلية الذين كانوا يؤمنون به. وقد يكون فى هذا دليل على ما دخل مذهب الزيدية مع الزمن من اعتقادات لا تعرفها نحلتهم، ومن ذلك وصفه لمحمد بن القاسم بأنه حجة الله. ومرّ بنا أنه اصطلاح إسماعيلى وأن المراد به أنه الداعى للمذهب فى بلاده. ويزعم أن الهواتف من الجن كانت تبشر به الناس كما بشرت قديما بالمصطفى، وكل ذلك غلو مفرط يخرج عن حدود المذهب الزيدى الشيعى المعروف باعتداله وأنه لا يبالغ فى تصوّر الأئمة وإسباغ الصفات الربانية عليهم، كما يفعل الإسماعيلية. وربما كتب العنسى هذه القصيدة فى سجنه تقربا إلى القاسم بن الحسين حتى يفك عنه أغلاله، فخرج إلى هذه المبالغات المسرفة.
وقبل أن نختم كلامنا عنه نشير إلى قصيدتين متبادلتين بينه وبين عبد الله بن على الوزير الذى التزم فى جميع أبيات قصيدته التورية وسماها أهرام مصر. ودفع ذلك العنسى إلى التماس التورية بدوره فى كثير من أبيات قصيدته. وواضح من تسمية عبد الله الوزير لقصيدته بأهرام مصر أنه كان يعرف بوضوح أن شعراء مصر هم الذين اتخذوا التورية مذهبا أداروا عليه كثيرا من أشعارهم. والقصيدتان من وزن الطويل، وقد ضمن العنسى قصيدته بعض شطور من قصيدة مجنون ليلى مثل:(قضاها لغيرى وابتلانى بحبها) وأيضا بعض شطور من قصيدة المتنبى فى كافور مثل: (كفى بك داء أن ترى الموت شافيا) وكان هذا التضمين فى الحقب المتأخرة من ذلك العصر يعدّ من الطّرف البديعة.
[٣ - شعراء الخوارج]
مرّ بنا فى الفصل الأول حديث عن الإباضية وأنها كانت إحدى فرق الخوارج الأساسية بجانب الأزارقة والنّجدات والصّفرية، وكان نشاط الأزارقة فى فارس وكرمان والصفرية فى الموصل والنجدات فى اليمامة، وانتهت هذه الفرق الثلاث أو كادت بانتهاء العصر الأموى. أما فرقة الإباضية المنسوبة إلى إمامها عبد الله بن إباض التميمى فقد ظلت حية طوال عصر بنى أمية والعصور التالية، واتخذت مركز نشاطها فى مدينة نزوى داخل إقليم عمان جنوبى الجبل الأخضر، وظلت مدينة عمان طويلا تخضع لدول سنية أو شيعية كما مر بنا فى غير هذا الموضع، حتى إذا كان القرن الحادى عشر الهجرى أظلت البلاد جميعها