للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقل روضة السلوان إن شئت فى اسمها ... وقل رحم الرحمن من هو ساجع

ولا تعدون عيناك عنها لكونها ... بدت بدويّة وأنّى واضع

وكم رمية لغير رام فقرطست ... وأخرى لرام أخطأت هل تنازع؟

فأغضوا على ما كان واعفوا وسامحوا ... وإن كان خرق فليداركه رافع

وهو يقول لقارئ قصيدته إنه أتاه من وصف الصقر وأحواله وأحكام صيده وفقهه وأحكامه بما لا مزيد عليه فى التحقيق، ودع سواه من الجعاجع التى لا فائدة فيها ولا طائل وراءها، وقد غصت عليها فى بحر فكرى واستخرجتها لك درة تتفجر بكثير من المعارف عن الصيد وفقهه، فمن كان صاحب جدّ وعى منها حكمة، ومن كان صاحب لهو وجد فيها مبتغاه، وسمّها باسمها: «روضة السلوان» وقل رحم الله ناظمها رحمة واسعة، ولا تحقرها لأنها تتناول موضوع الصيد البدوى وأنى ناظمها، وكم رمية قرطست وأصابت الهدف وكم رميات أخرى انحرفت عن الهدف والغرض المقصود، وذلك فضل الله يمنّ به على من يشاء. ويطلب من قارئه فى تواضع أن يغض الطرف عن هفواته ويعفو، وإن كانت فى قصيدته زلة فليتداركها بلطفه.

٣ -

شعراء الرثاء

الرثاء من أغراض الشعر القديمة، والشاعر فيه إما أن يتفجع على الميت ويبكيه ويتوجع لفقده ويسمى ذلك ندبا، وإما أن يبكى فيه خلاله ومناقبه التى حرم منها المجتمع ويسمى ذلك تأبينا، وإما أن يفضى إلى ذكر الموت وأنه حوض لا بد للحى من وروده، ويسمى ذلك عزاء، وقد يمزج الشاعر بين نوعين من هذه الأنواع وقد يمزج بين الثلاثة. ويلقانا الرثاء مبكرا فى الشعر الجزائرى على لسان بكر بن حماد شاعر تاهرت فى القرن الثالث الهجرى، وكان قد مات له ابن فندبه طويلا بمثل قوله يخاطب نفسه وقد وقف على قبره (١):

قف بالقبور فناد الهامدين بها ... من أعظم بليت فيها وأجساد

قوم تقطّعت الأسباب بينهم ... من الوصال وصاروا تحت أطواد

كيف البقاء وهذا الموت يطلبنا ... هيهات هيهات يا بكر بن حمّاد

بينا ترى المرء فى لهو وفى لعب ... حتى تراه على نعش وأعواد

وهو يقول قف بالقبور وناد بأعلى صوتك فلن يرد عليك أحد فقد تقطعت أسباب الوصال بينك وبين من فيها ولا سميع ولا مجيب، ويقول كيف البقاء والموت يطلبنا فى كل لحظة،


(١) الديوان ص ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>