للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا انقضّ خلت البرق والريح عاصفا ... ورعدا به رجز على الصيد واقع (١)

دوىّ جلاجل ولمع خلاخل ... وخفق جناح كلّ ذلك فاجع

والفجيجى يقول إن صقره يحوز صفات الصقر الحميد فهو طويل الجناح والعنق والأصابع، وهو واسع الكف والصدر بعيد ما بين المنكبين عظيم الهامة ممتلئ الفخذين صلب المنقار لجزر ما يفتك به، وعدّته مخالبه الشديدة السواد القاطعة التى تلسع لسع العقارب، وفى يمناه خلخال لامع من الفضة بزنده، وفى يسراه خلخال وجرس صغير أصفر مموه بذهب فاقع، وإذا انقض على فريسته من الطير ظننت البرق والريح والرعد كل ذلك هجم عليه، ولا تسمع سوى دوى جلاجل ولمع خلاخل وخفق أجنحة، كل ذلك ينقض على الفريسة. ويصور الفجيجى انقضاضه على طائر الحبارى منشدا:

ويلجأ لات حين يأويه ملجأ ... فلا الأرض تنجيه ولا الجوّ مانع

ذؤابته فى كفّ من لا يقيله ... يساق بها للموت وهو يوادع

وتندبه حباريات ألفنه ... بفيفاء مجهل وهنّ جوازع (٢)

نوائح أعراب على الطّبل حلقة ... يحاجلن مجنونا لهن تواجع

شققن جيوبا ناشرات الرءوس قد ... جرحن خدودا ما لهنّ براقع

والفجيجى يقول إن الحبارى كان يطلب ملجأ حين رأى الصقر، وضاق عليه الجو بأعاليه وضاقت عليه الأرض بجبالها الشاهقة وما رحبت، وأخذ الصقر بذؤابة رأسه وريشه الطويل، ولم يعد يجد مناصا ولا خلاصا منه فهو يوادعه موادعة اليائس من الحياة، وتندبه حباريات ألفنه متجرعات عليه غصص الجزع. وشبههن الفجيجى بنوائح الأعراب حين يتحلقن على الطبل بحرقة الحزن، ويحاجلن ندّابهن الذى يزيد فى حزنهن ويشعله فى نفوسهن، ويشققن جيوبهن وينشرن شعورهن ويخمشن وجوههن السافرة حزنا على فقيدهن. ويمضى الفجيجى متمنيا لو عادت أيام الصغر أو أيام الشباب ويذكر مواضع كثيرة فى الربيع والشتاء كان يرودها للصيد ويندد بمن كانوا يتلومونه لاهتمامه به، ويقول إن مثلهم مثل من لا تحرّكه بهجة الربيع ولا متعة العود والموسيقى وكأنهم لم يشعروا يوما بالحب والهوى. ويفيض فى عرض فقه الصيد وما أحلّه الشارع منه وما حرّمه وواجبات القانص إزاء ذلك وأجناس صيده فى البر، ويتجه إلى قارئ قصيدته بعد نحو مائتى بيت قائلا:

أتيتك بالتحقيق نظما فخذ به ... ودع عنك ما سواه فهو جعاجع

فدونكها من بحر فكرى درّة ... تفجّر منها للعلوم ينابع

فمن كان ذا جدّ وعى خصب حكمة ... ومن يبتغ الإحماض فالمرج واسع


(١) رجز: شدة فى الصوت.
(٢) فيفاء: صحراء واسعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>