للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن الإسلام لم يردّ العرب عن الشعر ونظمه، وسنرى عما قليل أن الرسول عليه السلام اتخذه سلاحا ماضيا ضد خصومه من مشركى قريش وأعداء رسالته، إذ كان يرى أن وقع نبله عليهم أشد من وقع الحسام (١). وكان الخلفاء الراشدون من بعده يرددونه دائما على ألسنتهم (٢)، كما كان صحابته كثيرا ما يتناشدونه فى المسجد (٣). وقد اشتهر عمر بن الخطاب بأنه كان كثيرا ما يسأل وفود القبائل عن شعرائهم، وكانوا ينشدونه بعض أشعارهم وقد ينشدها هو متعجبا مستحسنا (٤)، ويقال إنه كتب إلى أبى موسى الأشعرى واليه على البصرة: «مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالى الأخلاق وصواب الرأى ومعرفة الأنساب» (٥)، ويقول ابن سلام إنه «كان لا يكاد يعرض أمر إلا أنشد فيه بيت شعر» (٦).

وكل ذلك معناه أن الإسلام لم يثبّط عن الشعر إلا حين وقف معارضا لدعوته، أما بعد ذلك فقد كان يرتضيه ويستحسنه. وقد مضى الخلفاء الراشدون مهتدين بهدى الإسلام الحنيف ينهون عن الهجاء ويعاقبون فيه، وقصة عمر بن الخطاب مع الحطيئة معروفة، فقد حبسه. حين أقذع فى هجائه للزّبرقان بن بدر، ولما استرحمه على أفلاذ كبده بأبياته المشهورة عفا عنه، بعد أن عاهده على أن لا يعود إلى مثل هذا الهجاء (٧). واتبع عثمان سنة عمر فى التشديد على من يسلقون المسلمين بألسنة حداد، وقصته مع ضابئ بن الحارث البرجمى مشهورة فقد هجا جماعة من الأنصار هجاء مقذعا أفحش فيه، فاستعدوه عليه فحبسه، وظل فى حبسه حتى مات (٨).


(١) العمدة ١/ ١٢.
(٢) راجع خطبة أبى بكر فى السقيفة وكتاب عثمان إلى على حين حوصر، وانظر ابن سعد ٦/ ٥٧.
(٣) طبقات ابن سعد (طبعة أوربا) ج ١ ق ٢ ص ٩٥ - ٩٦ والفائق للزمخشرى ١/ ٢٥٧.
(٤) أغانى (طبعة دار الكتب) ٨/ ١٩٩، ١٠/ ٢٨٨ والعقد الفريد (طبعة لجنة التأليف) ٥/ ٢٧٠ وخزانة الأدب للبغدادى ٢/ ٢٩٢.
(٥) العمدة ١/ ١٠.
(٦) البيان والتبيين ١/ ٢٤١.
(٧) أغانى (طبعة دار الكتب) ٢/ ١٨٥.
(٨) ابن سلام ص ١٤٤ وانظر فى ترجمة ضابئ أيضا الشعر والشعراء ١/ ٣٠٩ والإصابة ٣/ ٢٦٧ والخزانة ٤/ ٨٠ والكامل للمبرد (طبعة رايت) ص ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>