للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجهاد وغزو فارس والروم ولهت (العرب) عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنّت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مدوّن ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقا؟ ؟ ؟ وذهب عليهم منه كثير» (١).

وابن سلام إنما يقول ذلك ليدلّ على؟ ؟ ؟ عربيّا كثيرا ضاع من يد الزمن، وكان يكفيه ما قاله من أنهم لم يدوّنوه وأنهم اكتفوا بروايته، فإن من شأن الرواية إذا طال العهد بها أن لا تحتفظ بكثير من الشعر وأن يسقط منه غير قليل، أما قوله بأن العرب لهت عن الشعر وشغلت عنه بالجهاد فينقضه ما تحمله كتب الأدب والتاريخ من منظوماته الكثيرة ومن أسماء ناظميه.

وربما جاءت شبهة إصغار العرب للشعر فى صدر الإسلام وإعراضهم عنه من مهاجمة القرآن للشعراء فى قوله تعالى: {(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَاِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا»}. وواضح من نفس هذه الآيات أن القرآن إنما يهاجم شعراء المشركين الذين كانوا يهجون الرسول ويثبّطون عن دعوته. فالقرآن لم يهاجم الشعر من حيث هو شعر، وإنما هاجم شعرا بعينه كان يؤذى الله ورسوله، وهو نفسه الذى قال فيه الرسول الكريم: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» (٢) أما بعد ذلك فإن الرسول كان يعجب بالشعر ويقول حين يسمع بعض روائعه: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكما أو حكمة» (٣)، وكان يحضّ حسان بن ثابت وغيره على نظمه ويثيبهم. وكان بعض خصومه ممن توعدهم يتخذه وسيلة إلى استرضائه وعفوه عنه، على نحو ما هو معروف عن كعب بن زهير الذى أحفظه بأشعار مختلفة ندّد فيها بالإسلام، ثم قدم عليه فأنشده لاميته المشهورة يطلب الصفح عن إساءته، فتهلل وجهه بشرا وخلع عليه بردته (٤).


(١) طبقات فحول الشعراء لابن سلام (طبع دار المعارف) ص ٢٢.
(٢) العمدة لابن رشيق (الطبعة الأولى) ١/ ١٢.
(٣) العمدة ١/ ٩.
(٤) أغانى (طبعة الساسى) ١٥/ ١٤٢ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>