للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفضليات والأصمعيات فستجد المفضل الضبى والأصمعى يحتفظان فى كتابيهما بغير مطولة للمخضرمين، وقد عقد ابن قتيبة فى الشعر والشعراء تراجم لكثيرين منهم، وسلك ابن سلام فى كتابه «طبقات فحول الشعراء» طائفة من مجوّديهم البارعين.

ومن يرجع إلى كل هذه المصادر يستقر فى نفسه أن الشعر ظل مزدهرا فى صدر الإسلام، وليس بصحيح أنه توقّف أو ضعف كما ظن ذلك ابن خلدون وتابعه فيه بعض المعاصرين إذ يقول فى مقدمته: «انصرف العرب عن الشعر أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحى وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض فى النظم والنثر زمانا، ثم استقرّ ذلك وأونس الرشد من الملة، ولم ينزل الوحى فى تحريم الشعر وحظره وسمعه النبى صلى الله عليه وسلم وأثاب عليه، فرجعوا حينئذ إلى ديدنهم منه (١)».

وكأنه يجعل توقفهم عن الشعر مدة نزول الوحى لعصر الرسول، وواضح أن هذا لا يصدق على المشركين لأنهم لم يشغلوا بالدعوة، ومعروف أن جمهور القبائل العربية إنما دخل فى الإسلام بعد فتح مكة فى العام الثامن للهجرة. وإذن فانصرافهم عن الشعر-إن صح-إنما كان لمدة عامين أى إلى أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. وهو نفسه ينقض ما قاله فى أول كلامه بما قاله فى آخره من أن الرسول سمع الشعر وأثاب عليه، ونحن نعرف أنه كان يقف بجانبه ثلاثة من شعراء المدينة ينافحون عنه ويردّون على شعراء مكة وغيرهم من خصومه ذائدين مدافعين، وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة. وحتى فى العامين الأخيرين من حياته عامى الوفود كان كل وفد يقدم ومعه خطباؤه وشعراؤه، وبمجرد أن يمثلوا بين يديه يتحدث خطباؤهم وينشد شعراؤهم ويردّ عليهم خطباء الرسول صلى الله عليه وسلم وشعراؤه (٢).

ولعل الذى دفع ابن خلدون إلى كلامه السابق ما جاء عند ابن سلاّم وتناقله الرواة بعده من قوله: «فجاء الإسلام وتشاغلت عن الشعر العرب وتشاغلوا


(١) مقدمة ابن خلدون (طبعة المطبعة البهية). ص ٤٢٧.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ٤/ ١٤٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>