للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى العقيدة الدينية، فهم إنما يحاربون من أجلها وفى سبيلها، ونحس كأنما غاية كل خارجى أن يقتل حتى يكتب فى سجل المستشهدين.

وكان شعر من حاربوهم يسيل بالدعوة للاستبسال فى الحرب وجهاد هذه الفرقة التى زاغت فى رأيهم عن طريق الهدى، ومن خير ما يصور ذلك قول كعب الأشقرى فى ملحمته الطويلة التى وصف فيها قتال المهلب للأزارقة وقضائه عليهم (١):

إنا اعتصمنا بحبل الله إذ جحدوا ... بالمحكمات ولم نكفر كما كفروا

جاروا عن القصد والإسلام واتبعوا ... دينا يخالف ما جاءت به النّذر

وكان كثيرون يقتلون فى هذه الحروب، فكان الشعراء يندبونهم ندبا حارّا، مازجين ندبهم بما ينتظرهم من نعيم الخلد. كقول الضحاك بن قيس يرثى بهلولا الصّفرىّ الذى خرج لعهد هشام بن عبد الملك وقتل (٢):

يا عين أذرى دموعا منك تهتانا ... وابكى لنا صحبة بانوا وإخوانا

خلّوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها ... وأصبحوا فى جنان الخلد جيرانا

وتعمّ هذه الروح الدينية فى مراثى من قتلوا من العلويين منذ على بن أبى طالب، وقد تحوّل مقتل الحسين منذ حدوثه إلى عويل وتفجع رهيب. وكان من يرثون الأمويين يستشعرون هذه الروح فى مراثيهم، كقول جرير فى عمر بن عبد العزيز (٣):

حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

بل لقد طبع الرثاء عامة بطوابع هذه الروح وما يطوى فيها من التسليم لله والرضا بقضائه، فكلّ نفس ذائقة الموت، وهو حتم فى رقاب العباد، وعليهم أن يتذرّعوا إزاءه بالصبر الجميل.


(١) طبرى ٥/ ١٢٥.
(٢) طبرى ٥/ ٤٦٠.
(٣) الديوان ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>