للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد زاد الحياة إلىّ بغضا ... وحبّا للخروج أبو بلال

أحاذر أن أموت على فراشى ... وأرجو الموت تحت ذرى العوالى (١)

ولو أنى علمت بأن حتفى ... كحتف أبى بلال لم أبال

فمن يك همّه الدنيا فإنى ... لها والله ربّ البيت قالى (٢)

فهو يخشى أن يموت على فراشه حتف أنفه، ولا يموت ميتة الخوارج الشريفة قعصا بالرماح، ميتة أبى بلال، وقد ظلت ذكراه عالقة بنفسه طويلا، حتى ليقول:

أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

وكأن الناس جميعا ما توافيه. ولم يخرج عمران، فقد كان يؤمن بالقعود، ومن ثمّ اعتنق مذهب الصّفرية ودعا إلى القعود، حتى عدّ رئيس قعدتهم. ولم تقعد به بناته على نحو ما رأينا عند أبى خالد (٣)، إنما قعد به-فى أغلب الظن- حبه لزوجته جمرة، فقد كان يشغف بها شغفا شديدا، ويعلّل أبو الفرج ذلك علة أخرى فيقول إنه إنما صار من القعدة، لأن عمره طال وعجز عن الحرب وحضورها، وكأنه يرى أنه اعتنق المذهب فى سن عالية. على أنه إن كان قعد فقد مضى فى شعره يصور كرهه للحياة وأنها عبء ثقيل كما مضى يحسّن لغيره الخروج ويزيّنه، وكذلك كان قعدتهم فهم لا يشتركون فى الحروب ويغرون بها رفاقهم. ويظهر أنه تمادى فى ذلك لعهد الحجاج، فطلبه، ولم يلبث شبيب الصّفرى وزوجته غزالة أن هجما على الكوفة فى بعض أصحابهما، فهلع الحجاج وتحصّن فى قصره، فكتب إليه عمران:

أسد علىّ وفى الحروب نعامة ... ربداء تنفر من صفير الصافر (٤)

هلا برزت إلى غزالة فى الضّحى ... بل كان قلبك فى جناحى طائر (٥)


(١) العوالى: الرماح.
(٢) قالى: كاره.
(٣) نسبت أبيات أبى خالد إلى عمران فى ترجمته بالأغانى، والأرجح أنها لأبى خالد كما جاء عند المبرد.
(٤) ربداء: من الربدة وهو لون إلى الغبرة.
(٥) هذا مثل ضربه عمران لتصوير فزع الحجاج ورعبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>