جيلهم الأول فقد برز بينهم كثيرون لأمهات أجنبيات، نذكر من بينهم أبناء بنات يزدجرد: على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وهذا الامتزاج الواسع بالموالى زواجا وولاء لم يكن تأثّر الموالى به أقل من تأثر العرب، فقد أخذوا فى التعرّب سريعا، وكانت أقطارهم تتكلم لغات مختلفة، إذ كان أهل إيران وخراسان يتكلمون الفارسية، وكان أهل العراق يتكلمون الفارسية والنبطية ولغات آرامية مختلفة، ويتكلم أهل الشام الآرامية وغيرها من اللغات السامية، بينما كان أهل مصر يتكلمون القبطية، وأهل المغرب يتكلمون البربرية. وكانت لغة السياسة والثقافة فى المغرب والأندلس اللاتينية وفى مصر والشام اليونانية والسريانية وفى العراق وإيران السريانية والفارسية.
وأخذت هذه اللغات تترك أماكنها من ألسنة أصحابها لتحلّ محلها العربية، غير أن هذا لم يحدت سريعا بين عشيّة وضحاها، فقد أخذ التعرب يتدرج شيئا فشيئا. وفى أثناء ذلك كانت العربية تتطور صورا مختلفة من التطور، وكان أول ما أصابها من ذلك أن محيت إلى حد كبير-بفضل القرآن الكريم ولغته القرشية-فروق اللهجات بين القبائل، فأصبحت لغة القرآن هى اللغة العامة التى يتخاطب بها العرب مضريين ويمنيين فى كل مكان، وإن ظلت من الماضى آثار هنا وهناك. وأخذ يظهر بسبب الامتزاج بالموالى تطورثان فى لغة التفاهم، فإن العرب عمدوا إلى استخدام تعبيرات مبسّطة، حتى يفهم عنهم الموالى ويلوكوا ما يلفظونه بسهولة. وفى أثناء ذلك كانوا يستعيرون منهم بعض الكلمات الأعجمية وخاصة فى الأطعمة وأدوات الحضارة، وكانوا يعرّبونها وقد يبقونها على صورتها الأصلية. ويعرض علينا الجاحظ فى كتابه «البيان والتبيين» كثيرا من الكلمات الفارسية التى جرت على ألسنة أهل الكوفة بسبب من عاشوا معهم وخالطوهم من الفرس، فمن ذلك أنهم كانوا يسمّون المسحاة «بال» والحوك أو البقلة الحمقاء «الباذروج» وملتقى أربع طرق