للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«جهارسوك»، وكانوا يسمون السوق «وازار» والقثّاء «خيارا» والمجذوم «ويذى (١)» وكانت الفارسية شائعة فى البصرة ويتضح ذلك فى دخول مقطع «آن» الفارسى على كثير من أسماء القطائع مثل «عمران (٢)» لعمر بن عبيد الله بن معمر و «سويدان» لسويد بن منجوف السّدوسى و «خالدان» لخالد بن أسيد و «مهلّبان» لآل الملهب. ومما يدلى على شيوع الفارسية فى البصرة ما يروى من أن يزيد بن مفرّغ حين هجا أسرة عبيد الله. . زياد فى ولايته عليها سقاه نبيذا وحمله على دابة فى ثياب مهلهلة مفرونا إلى هرّة وخنزير، وأمر أن يطاف به فى الشوارع على هذه الصورة المزرية، فتجمّع حوله الصغار يسألونه بالفارسية إين جيست؟ أى ما هذا، فكان يجيبهم بلسانهم (٣):

آب است نبيذ است ... عصارات زبيب است

سميّه روسبى است

واست: من أفعال الكينونة، وآب: ماء. وسمية: أم زياد. وروسبى:

الخنزيرة. أى هذا ماء ونبيذ وعصارة زبيب وسمية الخنزيرة، ويريد البغىّ.

ويلاحظ الجاحظ أن تأثير الفارسية سقط إلى داخل الجزيرة فى المدينة مع من نزلها من الفرس، ولذلك سمو البطيخ «الخربز» والسميط «الرزدق»، وطعام المصوص وهو لحم ينقع بالخردل «المزور» والشطرنج «الإشترنج» وغير ذلك من الأسماء (٤).

ولم يقف استخدام هذه الألفاظ وما يشبهها عند اللغة اليومة، فقد تعداها أحيانا إلى شعر بعض الشعراء من العرب أمثال الفرزدق وجرير اللذين عاشا فى البصرة، إذ نجد أولهما يستخدم كلمة «البيذق والبياذق» المعروفة فى لعبة الشطرنج استخداما يدل على أنه كان يعرف اللعبة وما يصيب البيذق فيها حين يتقدم إلى آخر الرقعة إذ يصبح وزيرا، يقول مخاطبا جرير (٥):


(١) البيان والتبيين ١/ ١٩ وما بعدها.
(٢) فتوح البلدان للبلاذرى ص ٣٥٣ وما بعدها.
(٣) البيان والتبيين ١/ ١٤٣.
(٤) البيان والتبيين ١/ ١٩.
(٥) نقائض جرير والفرزدق (طبعة بيقن) ص ٧٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>