للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس، وكان له بجانبها مائة جفنة يطاف بها على القبائل. ولا ريب فى أن هذا الجود الفياض إنما كان على حساب الشعب، وما يؤدى من ضرائب باهظة. وكان للولاة الأمويين فى فرض الضرائب الاستثنائية أفانين كثيرة، وكانت الرعية تضجّ منها فى كل أقاليم الدولة.

ويظل هذا الظلم يزداد عسفا إلى أن يتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة ٩٩ فيأمر برفع الظلم عن رعيته وإلغاء كل لون من ألوان الضرائب الاستثنائية. وقد وجد الولاة يلزمون كل من أسلم من القبط وغيرهم من الموالى بالجزية، كأنهم لا يزالون على دينهم القديم ولم يدخلوا فى الإسلام، معطلين بذلك أحكام الدين الحنيف، فوقف كلّ هذا الظلم وما يجرّ إليه من فساد ومن تعطيل أوامر الدين، من ذلك ما كتب به إلى حيّان بن شريح صاحب ديوان الجند والخراج فى مصر: «ضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة فإن الله تبارك وتعالى يقول: {(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)} ويقول {(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)}. ويبدو أن حيان بن شريح تلكأ فى تنفيذ أمر عمر بن عبد العزيز، فكتب إليه غاضبا: «قد أمرت رسولى بضريك على رأسك عشرين سوطا، فضع الجزية عمن أسلم، قبّح الله رأيك، فإن الله إنما بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا» (١).

واضطر حيان بن شريح أن يصدع لأمر عمر، غير أن مدة خلافته كانت قصيرة، إذ سرعان ما توفى لأول سنة فى المائة الثانية، فعاد ولاة بنى أمية إلى سيرتهم الأولى فى مصر وغير مصر، ومضوا يعصرون القبط، سواء منهم من أسلم ومن ظل على دينه. وبذلك نفهم انتقاض القبط على الوالى سنة ١٠٧ وكذلك بأخرة من أيام الأمويين، فإن الولاة لم يكونوا يرعون فيهم ما فرضه الإسلام من العدل وحرّمه من الظلم والعسف. وظلت الفسطاط حاضرة الوالى الأموى منذ اختط عمرو بن العاص للناس منازلهم فيها، ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم. ويقول المؤرخون إن الدور فيها كانت تتألف أحيانا من ست طبقات أو سبع. ولما قدم مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين إلى مصر منهزما وتبعه الجيش العباسى إلى الصحراء أمام مدينة الفسطاط أذن القواد للعسكر بالبناء حيث نزلوا، فقامت ضاحية أو مدينة العسكر بجوار الفسطاط، وكان ينزلها ولاة بنى العباس، وتلقانا بعض انتقاضات للقبط حتى سنة ١٥٠ ثم لا نعود نسمع عنها، إنما تلقانا انتقاضات


(١) انظر فى هذه الرسالة وسابقتها خطط المقريزى ١/ ١٤٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>