للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن التلدّد فى هواك تلذّذ ... لو كان أقتل من زعاف الأرقم (١)

يا أيها القمر الذى إنسانه ... يرمى أناسا للعيون بأسهم

لم أبد حبّك غير أن جوانحى ... فاضت به فيض الإناء المفعم

لا ذنب لى علم الذى أسررته ... نظرا ولم أرمز ولم أتكلم

فتلافنى قبل التّلاف فإننى ... من حمير وسيأخذونك فى دمى

وهو يخاطب صاحبته فيقول لها: غيرى يقول الحب مر، أما أنا فأقول حبك فى قلبى حلو كريقك فى فمى، ويتمنى عليها أن تدير كئوسه بعينيها الفاتنتين، حتى ينتشى بخماره الممتع. ويقول لها إن التلدد أو العذاب فى حبها له فى نفسه لذة لا تماثلها لذة، حتى لو كان قاتلا مثل سم الأفعوان. وإنها لقمر يرمى إنسان عينها بأسهم تصيب أفئدة الرجال، ويقول لها إننى لم أفش حبك غير أن جوانحى اكتظت به حتى فاضت به فيض الإناء المملوء إلى حوافيه، ولا ذنب لى كما تعلمين فإننى أسررت إليك نظرا لم يره أحد، ولم أنبئ به أحدا. ويتوسل إليها أن تتلافاه فتصله وتلقاه قبل هلاكه. ويقول إنه من حمير، وإن لم تستجب له وتركته يهلك فسيدركون فيها ثأر الأسد الضرغام. ويقول القاضى عياض (٢):

يا راحلين وبالفؤاد تحمّلوا ... أيرى لكم قبل الممات قفول

أما الفؤاد فعندكم أنباؤه ... ولواعج تنتابه وغليل (٣)

أترى لكم علم بمنتزح الكرى ... عن جفن صبّ ليله موصول

أودى بعزمة صبره وإبائه ... طرف أحمّ ومبسم مصقول (٤)

ما ضرّكم، وأضنّكم بتحيّة ... يحيى بها عند الوداع قتيل

إن البخيل بلحظة أو لفظة ... أو عطفة أو وقفة لبخيل

والقاضى عياض يقول إنهم رحلوا بصاحبته ورحل فؤاده معها، ويتمنى لو عادوا به مماته ويقول إن عندهم أنباء فؤاده وما يضطرب فيه من آلام الحب وحرقه، ويسألهم ألهم علم بالنوم الذى نزح عن جفون محب، ليله موصول بالسهر والسهاد، ولقد ذهب بصيره وإبائه عين ذات سواد جميل وفم يرتسم عليه ابتسام لطيف، ويقول: ما ضرّهم لو نوّلوه ما طلب وما أبخلهم بتحية ترد الحياة إلى قتيل، ويقول إن من لا تنيل صاحبها لحظة لقاء أو لفظة وداع أو عطفة أو وقفة لشديدة البخل على من يكنون لها حبا يستأثر بأفئدتهم وقلوبهم. ويتكاثر الغزل فى عصر الموحدين ويبرز فيه أو يشتهر شاعران هما أبو الربيع سليمان الموحدى وأبو حفص


(١) التلدد هنا: العناء. زعاف الأرقم: سم الثعبان.
(٢) انظر التعريف بالقاضى عياض لابنه محمد، تحقيق د. بنشريفة.
(٣) لواعج: آلام.
(٤) أحم: أسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>