شهيد وزيرا كتب له ابن برد ولم يوضح ابن بسام هل هو ابن برد الأصغر أو هو جده ابن برد الأكبر، وبالمثل يقول إن أبا القاسم الإفليلى كتب للخليفة المستكفى بعد ابن برد فى نفس السنة ولا يذكر هو الأصغر أو الأكبر، وأكبر الظن أنه الأصغر، وكأنه كتب للمستظهر فى الأشهر التى تولاها ثم كتب فترة للمستكفى بعده ولم يلبث أن أعفاه. وقد ظل ابن برد الأكبر حيا حتى توفى بسرقسطة عن ثمانين عاما سنة ٤١٨ ويبدو أنه رحل إلى تلك البلدة فى الشمال لما سمع من كرم منذر التجيبى أميرها وهبته لقصاده أموالا عظيمة. ويقول ابن برد الأصغر إن صروف الأيام باكرته بعد مصابه فى جده ويبدو أن الدنيا ظلت لا تبتسم له فترة غير قليلة كما يبدو أن أبواب دواوين قرطبة ظلت مغلقة دونه فى عهد جهور حين أصبح حاكمها المتصرف فى شئونها منذ سنة ٤٢٢ ولعل سبب ذلك عمله فى دواوين الخليفتين الأمويين: المستظهر والمستكفى. ومن المؤكد أنه ظل بقرطبة حتى وفاة ابن شهيد سنة ٤٢٦ ويقول المؤرخون أنه رحل منها إلى مجاهد الصقلبى أمير دانية (٤١٢ - ٤٣٤ هـ) وسنراه يوجه إليه أولى رسائله الأدبية الخاصة بالسيف والقلم وربما حنّ إلى قرطبة ورفاقه فيها وعاد إليها، وقد يدل على ذلك أن نجد ابن زيدون حين سجنه جهور سنة ٤٣٢ يوجه إليه قصيدة كى يشفع له عند جهور أو عند ابنه أبى الوليد. وربما كان بقرطبة حين خلف أبو الوليد أباه سنة ٤٣٥ ومرّت بنا رسالته البديعة إليه بتفصيل الورد على سائر الأزهار، ولعله كان يرمز إليه بالورد وأنه يفضل جميع أمراء الطوائف. وكان المظنون أن يظل بقرطبة، غير أننا نراه يؤثر المقام بالمريّة عند أميرها معن بن صمادح (٤٣٢ - ٤٤٣ هـ) الذى عرف له فضله، فاتخذه وزيرا له، وإليه قدم ابن برد كتابه:«سر الأدب وسبك الذهب» وافتتح ابن بسام ترجمة ابن برد بصدر هذا الكتاب وقد نوه فيه برعاية جده له وتخريجه كما مرّ بنا، وأثنى ثناء غامرا على معن بن صمادح ورعايته للعلوم وفنون الآداب، وما أسبغ عليه من شرف المرتبة الرفيعة. وضمّن الكتاب رسائلة السلطانية والإخوانية وطرّز أبوابه بأبيات من الأشعار المحتوية على الحكم الجارية مجرى الأمثال. ومن المؤكد أنه قضى الشطر الأخير من حياته فى ظل هذا الأمير، ويقول الحميدى فى الجذوة إنه رآه فى المرية مرارا بعد الأربعين وأربعمائة، ولا ندرى هل لحق عصر المعتصم بن معن بن صمادح (٤٤٣ - ٤٨٤ هـ) أو أن القدر لم يمهله حتى عصره، أو حتى إذا كان أمهله فإنما أمهله إلى فترة قصيرة، ويشيد به ابن بسام قائلا:
«كان أبو حفص بن برد الأصغر فى وقته فلك البلاغة الدائر، ومثلها السائر، نفث