للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يعيش حاملا سيفه وممتطيا سرج حصانه مزدريا حياة الترف واللهو والاستماع إلى الغناء ونقر الدفوف ورنات الصّنوج، وكلّ ذلك يتركه وراءه، إذ لذته جميعها فى قيادة الجيوش واقتحام لجج الحرب ولهيبها المستعر، وهى أخلاقية مثلى لمؤسس دولة، وبحق أسس دولتهم العبيديّة فى الاقليم التونسى، وكان ابنه القائم شاعرا مثله، وله قصيدة حماسية خاطب بها العباسيين، مفتتحا لها بقوله:

ألا إن حدّ السيف أشفى لذى الوصب ... وأحرى بنيل الحق يوما إذا طلب

وخلفه ابنه المنصور وكان جوادا ممدّحا وفارسا مقداما، وقد استطاع فى أول خلافته القضاء المبرم على ثورة أبى يزيد مخلد بن كيداد كما مرّ بنا فى القسم التاريخى، وفيه يقول شاعره أيوب بن إبراهيم:

يا بن الإمام المرتضى وابن الوصىّ (م) ... المصطفى وابن النبىّ المرسل

الله أعطاك الخلافة واهبا ... ورآك للإسلام أمنع معقل

ولأبى القاسم الفزارى فيه قصيدة بديعة حين أمّن أهل القيروان بعد ثورة مخلد بن كيداد سنعرض لها فى غير هذا الموضع، ويتولى الخلافة بعده ابنه المعز، ويأتيه الشعراء من كل فجّ وفى مقدمتهم ابن هانئ الأندلسى وله فيه قصائد طنّانة، وقد ترجمنا له فى قسم مصر، وحين فتح جوهر الصقلى مصر للمعز أنشده ابن هانئ قصيدة افتتحها بقوله:

يقول بنو العباس هل فتحت مصر ... فقل لبنى العباس قد قضى الأمر

ومن أهم شعرائه على بن الإيادي، وسنخصه بترجمة.

وينتهى عصر الخلافة العبيديّة فى الإقليم التونسى سنة ٣٦١ بانتقال المعز الفاطمى إلى القاهرة واتخاذها عاصمة لملكه وملك أبنائه وأحفاده من بعده، ووقع اختياره على بلكيّن بن زيرى الصنهاجى ليخلفه على الإقليم التونسى، فأسس بها دولة صنهاجية أتاحت للإقليم التونسى كل ما كان يحلم به من ازدهار فكرى وأدبى. ومع أن المعز بن باديس غلب على أمره أمام موجات بنى هلال واضطرّ إلى أن ينسحب إلى المهدية سنة ٤٤٩ فإنه استطاع هو وابنه تميم ومن خلفهما فيها أن يستتموا لهذا الإقليم كل ما كان ينتظره من نهضة أدبية وفكرية، وفى المعز يقول ابن خلكان: «كان محبا لأهل العلم كثير العطاء مدحه الشعراء وانتجعه الأدباء، وكانت حضرته محط بنى الآمال» ويقول فى ابنه تميم: «كان محبا للعلماء، معظما لأرباب الفضائل حتى قصدته الشعراء من الآفاق على بعد الدار كابن السراج الصورى وأنظاره، وكان يجيز الجوائز

<<  <  ج: ص:  >  >>