للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأيام العرب وأخبارها ووقائعها وأشعارها» ومن قوله فى رثاء ابن عم له:

لكأنى لما تضمّنك اللّح‍ ... د يمين قد فارقتها الشمال

وأشعر منه، بل ربما كان أشعر اللغويين عامة فى القيروان حتى نهاية عهد الأغالبة عبد الملك المهرى أستاذ أهل اللغة والنحو والرواية فى عهد الأغالبة، توفى سنة ٢٥٦ للهجرة، وله مرثية بديعة لسحنون، ومن تلاميذه الشعراء حمدون الملقب بالنعجة، وفيه يقول الزبيدى-كما مرّ بنا-شعره عليه أثر التكلف، أما فى النحو والعربية والغريب فهو الغاية التى لا بعدها.

وننتقل إلى عصر الدولة العبيدية فى القيروان والإقليم التونسى منذ سنة ٢٩٧ إلى سنة ٣٦١ وقد تحول به عبيد الله المهدى أول خلفائها هناك إلى عصر دعاية للمذهب الإسماعيلى الذى جاء يحمله، فكان فقهاؤه ودعاته يجادلون عنه فقهاء المذهب السنى بالقيروان، وكانت القيروان سنية فكانوا يعقدون فيها المناظرات بينهم وبين أبى عثمان سعيد الحداد وغيره من فقهاء السنة القيروانيين العظام. ولأبى عثمان مع دعاتهم أربعون مجلسا حفظ لنا الخشنى فى طبقات علماء إفريقية-كما مر بنا-أربعة منها علا فيها صوته وفكره على دعاتهم. وطبيعى فى هذا الجو المشحون بالجدل فى حقائق المذهب الإسماعيلى أن يطمح خلفاء الدولة الفاطميون التونسيون أن يكون لهم أنصار من الشعراء يعتنقون دعوتهم ويدافعون عنها، وطبيعى أن ينثروا عليهم الأموال نثرا، وكما قال بشار قديما:

يسقط الطّير حيث ينتثر الح‍ ... بّ وتغشى منازل الكرماء

وقد أكثر عبيد الله المهدى وخلفاؤه من نثر الحب، وتكاثرت طيور الشعراء من حولهم تلتقط هذا الحب فى القيروان وفى المهدية عاصمتهم الجديدة، وتبارى الشعراء من أمثال خليل بن إسحاق الطرابلسى الذى عرضنا له فى ليبيا وأمثال سعدون الورجينى القائل فى مديح المهدى:

هذا الإمام الفاطمىّ ومن به ... أمنت مغاربها من المحذور

ويمضى قائلا إن مدن الشام والعراق لا بد أن تستسلم له حتى يسود فيها العدل الذى لا يستطيع الناس الحياة بدونه. وكان المهدى نفسه شاعرا، يحسن نظم الشعر، وتتداول الكتب قطعة طريفة تنسب له تارة وتارة أخرى تنسب إلى داعيته أبى عبد الله الصنعانى، وهى تمضى على هذا النحو:

من كان مغتبطا بلين حشيّة ... فحشيّتى وأريكتى سرجى

من كان يعجبه ويبهجه ... نقر الدّفوف ورنّة الصّنج

فأنا الذى لا شئ يعجبنى ... إلا اقتحامى لجّة الوهج

<<  <  ج: ص:  >  >>