الهجرى حتى نرى أعمال اللغويين المقيمين والوافدين من أمثال أمان بن الصمصامة ويونس بن حبيب والرواة من أمثال المعمر بن سنان التميمى وسليمان بن حميد الغافقى تثمر ثمارا يانعة كثيرة فى شباب ترسخ فى نفوسهم فطرة العربية ويطلب كثيرون منهم التخصص فى الفقه لاعلى أساتذته فى القيروان وتونس فحسب، بل أيضا فى الحجاز والعراق، من أمثال عبد الرحمن بن زياد وكان شاعرا وعلى بن زياد الذى أدخل لأول مرة كتاب الموطأ إلى المغرب، وقد توفى سنة ١٨٣ وكان يعاصره عبد الله بن فرّوخ وعبد الله بن غانم الرّعينى الفقيهان القيروانيان المشهوران.
وعلى الرغم من أن إبراهيم بن الأغلب استقل بالقيروان سنة ١٨٤ وكوّن بها دولة الأغالبة التى ظلت بها أكثر من قرن وحققت لها نهضة ثقافية كما مر بنا فى الفصل الماضى، على الرغم من ذلك فإن نهضة الشعر بها لا تتراءى لنا واضحة، إذ يظل أصحاب التراجم لا يعنون غالبا طوال هذه الدولة إلا بمن سال الشعر على لسانه من حكامها أو من أفراد الأسرة ومن شاركهم فى هذه الموهبة من الفقهاء واللغويين. وكان إبراهيم بن الأغلب مؤسسها شاعرا، ويسوقون له أشعارا فى الفخر، وكان قد نشأ بمصر وتزوج بها، وكان قد فارق زوجته وسار وحده إلى القيروان وحنّ إليها فأنشد:
ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة ... إلا وذكرك يثنى دائما عنقى
ولا ذكرتك إلا بتّ مرتقبا ... أرعى النجوم كأن الموت معتنقى
وكان حفيده الأمير أبو العباس محمد شاعرا (٢٢٦ - ٢٤٢) وهو الذى استولى على رومة فترة من الزمان ثم اضطرّ جيشه إلى الانسحاب لتكاثر من جاءها من نجدات المسيحيين، وله أشعار يفخر فيها بنسبه وأسرته، من مثل قوله:
أنا الملك الذى أسمو بنفسى ... فأبلغ بالسموّ بها السّحابا
ومن أفراد الأسرة الشعراء أحمد بن سوادة والى صقلية المتوفى سنة ٢٦٠ وله أشعار بديعة فى الحماسة والفخر. ومن أفراد الأسرة أيضا مهريّة الأغلبية المتوفّاة سنة ٢٩٥ ولها مرثية بديعة فى رثاء أخ لها مات غريبا. وممن عرف بالشعر ونظمه فى عهد الأغالبة عيسى بن مسكين القاضى المتوفّى سنة ٢٩٥ وشعره فى التحسر على الشباب، وكان يعاصره الفقيه أحمد الصواف وشعره فى الحكم والمواعظ. وممن اشتهر بالشعر من اللغويين فى عهد الأغالبة الحسن بن منصور المذحجى، يقول ابن الأبار: «أقل ما تصرّف فيه الشعر وكان بصيرا باللغة نافذا فى النحو عالما