للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصور يزيد بن حاتم المهلبى وكان غاية فى الجود ممدّحا، وظل واليا عليها من سنة ١٥٤ إلى وفاته سنة ١٧٠ واستطاع أن يتحول بها إلى بيئة كبيرة من بيئات الشعر والأدب واللغة فى زمنه، وكان شاعرا مجيدا، ومن طريف شعره قوله فى وصف كرم أسرته:

ما يألف الدرهم المضروب خرقتنا ... إلا لماما قليلا ثم ينطلق (١)

وقد جاء القيروان وفى صحبته المعمّر بن سنان التّيمى، من تيم الرباب، اتخذه زميلا له فى طريقة ليؤنسه بطرائف الأخبار، ويقول ابن الأبار: «كان أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها ووقائعها وأشعارها، وعنه أخذ أهل إفريقية حرب غطفان وغيرها من وقائع العرب» ويترجم ابن الأبار لابنه عامر، ويذكر بعض أشعاره، ويقول من أحفاده حمزة بن أحمد بن عامر وكان أديبا ظريفا. وتسابق غير شاعر فى الوفود على يزيد كما توافدوا قديما على جده المهلب فى خراسان، ومنهم ربيعة الرّقّى الشاعر العباسى المشهور، وفيه يقول:

هو البحر إن كلّفت نفسك خوضه ... تهالكت فى آذيّه المتلاطم

وهى قصيدة طارت شهرتها فى العصر العباسى، وله فيه مدائح أخرى بديعة، ومن الشعراء الكبار الذين وفدوا عليه بالقيروان ابن المولى، وفيه يقول:

وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشترى

ويقال إنه أعطاه على هذه القصيدة الرائعة كل ما كان فى بيت ماله، ولابن المولى وربيعة الرقى ترجمتان مفصلتان فى كتاب الأغانى، وقد أقاما عنده فى القيروان طويلا والتف حولهما شبابها يروون عنهما شعرهما وشعر معاصريهما. وذكر ابن خلكان فى ترجمته بين من وفد عليه من الشعراء المشهر التميمى وأنه أغدق عليه مالا جزيلا.

ومرّ بنا فى الحديث عن اللغويين أن كرم يزيد بن حاتم لم يجلب إلى عاصمته الشعراء فقط بل جلب إليها جلة من النحاة المشهورين مثل يونس بن حبيب وقتيبة الجعفى. وكانت قد أخذت تنشأ فى القيروان طائفة من المعلمين الشعراء، منهم أمان بن الصّمصامة بن الطرماح ويبدو أن أباه كان قد نزل القيروان فى أوائل القرن الثانى الهجرى واتخذ التعليم مثل أبيه حرفة له، وفيه يقول الزبيدى: «كان شاعرا عالما باللغة». وكان يعاصره معلم، يعكف شباب القيروان على أخذ اللغة والشعر منه، كما يأخذون النحو والعربية والأدب، هو عياض بن عوانة، ويقول الزبيدى إنه كان ينظم الشعر ويجوّد فيه. ولا نكاد نخطو فى النصف الثانى من القرن الثانى


(١) خرقتنا: يريد ثيابنا

<<  <  ج: ص:  >  >>