للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغريبة مما كان فى القصور من عجائب ونقوش، فكل ذلك ذهب كرجعك الطرف إلى غير مآب كما تذهب الأعمار والآجال، ويقول (١)

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة ... بوادى الهوى ما بين تلك الجداول

وهل أسمعن تلك الطيور عشيّة ... تجاوب فى تلك الغصون البلابل

وهل أردن عين السلام على الصّدى ... فأبرد من حرّ الضلوع النواهل (٢)

وانظر طيقان «المنار» مطلّة ... على الوجنات الزاهرات الخمائل (٣)

كأن القباب المشرفات بأفقه ... نجوم تبدّت فى سعود المنازل

فإن ثنت الأيّام عنها أعنّتى ... وأنزلننى فى غير تلك المنازل

فصبر جميل غير أنّ صبابتى ... ستبقى بقاء الطالعات الأوافل

وابن حماد يتمنى فى غربته الطويلة ببلاد المغرب والأندلس لو بات ليلة بوادى بجاية: وادى الهوى والحبّ بين جداولها يتسمع إلى الطيور وهى تجاوب البلابل فى المساء، ويتمنى أن يرد على عين السلام ليبرد صداه ويشفى ظمأه الطويل وحر ضلوعه، وينظر طيقان المنار وهى مطلة على الخمائل المزهرة فوق الأرض الصخرية حول بجاية، ويتصور كأن قباب هذا القصر التى كانت تشرف على ما حوله نجوم مسعدة. ويمتلئ شوقا وحنانا لبلدته بجاية فيقول إن ثنت الأيام أعنتى عنها إلى سلا وغير سلا من مدن المغرب والأندلس فسأفزع إلى الصبر الجميل ولكن صبابتى ببلدى وموطنى ستظل جاثمة فى فؤادى ما حييت، وستظل باقية بقاء النجوم الطالعات الأوافل، ويقول فى عين السلام (٤):

على عين السلام سلام صبّ ... غذاه ماؤها العذب النّمير

تأوّد أيكها وجرت صباها ... وشمّ لها كما فتق العبير

وأبرد ما يكون الجوّ فيها ... وأندى حين يحتدم الهجير

وقد قام المنار على ذراها ... كما قام العروس أو الأمير

بناء يزدرى إيوان كسرى ... لديه والخورنق والسّدير

وهو يرسل بالتحية إلى عين السلام التى طالما نهل من مائها العذب الصافى الزاكى، وإن أيكها أو شجرها ليتثنى بفعل الرياح ويهب صباها عليلا حاملا منها شذى عطرا، وحين تشتد حرارة الهاجرة وراء بجاية فى الصحراء تصبح بجاية أبرد وأندى ما تكون، وإن قصر المنار ليقف فى أعاليها وكأنه عروس ينتظر الزفاف أو أمير ينتظر الموكب الحافل، وإنه


(١) المرجعين السالفين.
(٢) الصدى: العطش.
(٣) الوجنات: مرتفعات الأرض.
(٤) انظر فى الأبيات التالية الميلى ص ٦٣٤ والطمار ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>